للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ المالكيَّةُ: الأصلُ في الطَّلاقِ أنَّه جائِزٌ وإنْ كانَ خِلافَ الأَولَى، فالأَولَى عَدمُ ارتِكابِه؛ لِمَا فيهِ مِنْ قَطعِ الأُلفَةِ، إلَّا لِعارضٍ؛ لِحَديثِ: «أَبغَضُ الحَلالِ إِلى اللهِ الطَّلاقُ» (١).

قالَ الصَّاوِي : اعلَمْ أنَّهُ استَشكَلَ هَذا الحَديثُ بَأنَّ المُباحَ ما استَوَى طرَفاهُ، ولَيسَ مِنهُ مَبغُوضٌ ولا أَشَدُّ مَبغُوضيَّةً، والحَديثُ يَقتَضي ذلكَ؛ لأنَّ «أَفْعَلَ» التَّفضيلِ بَعضُ ما يُضافُ إلَيهِ.

وأُجِيبَ بأنَ المَعنَى «أقربُ الحَلالِ لِلبُغضِ الطَّلاقُ»، فالمُباحُ لا يُبغَضُ بالفِعلِ، لكنْ قد يُقَرِّبُ لهُ إذا خالَفَ الأَولَى، والطَّلاقُ مِنْ أشدِّ أفرادِ خِلافِ الأَولَى، وهَذا ما أشارَ لهُ الشَّارحُ بقَولِه: وإنْ كانَ حلالاً، إلَّا أنَّ الأَولَى عَدَمُ ارتِكابِه.

وأُجِيبَ بجَوابٍ آخَرَ بأنَّه لَيسَ المُرادُ بالحَلالِ ما استَوى طَرَفاهُ، بلْ لَيسَ بحَرامٍ، فَيَصدُقُ بالمَكرُوهِ وخِلافِ الأَولَى، فخَلافُ الأَولَى مَبغُوضٌ، والمَكرُوهُ أشدُّ مَبغوضيِّةً، ولَيسَ المُرادُ بالبُغضِ ما يَقتَضِي التَّحريمَ، بلِ المُرادُ كَونُه لَيسَ مَرغوبًا فيهِ؛ لأنَّ فيهِ اللَّومَ، ويَكونُ التَّعبيرُ بالأبغضيَّةِ قَصْدَ التَّنفيرِ، وأنتَ خَبيرٌ بأنَّ الجَوابَ الثَّاني مَبنِيٌّ عَلى أنَّ حُكمَ الطَّلاقِ الأصلَيَّ الكَراهةُ، لا عَلى أنَّه خِلافُ الأَولَى الَّذي مَشَى عَليهِ الشَّارحُ، فالأَظهرُ الجَوابُ الأوَّلُ، وأمَّا حَمْلُهُ على سَببِ الطَّلاقِ مِنْ سُوءِ العِشرةِ فَفيهِ أنَّ


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه أبو داود (٢١٧٨)، وابن ماجه (٢٠١٨)، والحاكم (٢/ ٢١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>