للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبلَ التَّسليمِ، ثم سلَّم» (١). ووَجهُ الدِّلالةِ مِنْ الحَديثِ أنَّه لو كانَ واجِبًا لَرَجعَ إليه لمَّا سَبَّحوا له -كما في بعضِ الرِّواياتِ- بعدَ أن قامَ، ولَمَا جبَره بالسُّجودِ.

وذَهب الحَنفيَّةُ في ظاهِرِ الرِّوايةِ والحَنابلَةُ في المَذهبِ والشافِعيَّةُ في قَولٍ إلى وُجوبِ ذلك مع الذِّكرِ، ويسقطُ بالسَّهوِ؛ لأنَّ النَّبيَّ فعلَه، وداوَمَ على فِعلِه، وأمرَ به في حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ، فقالَ: «قُولوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ». وسجدَ لِلسَّهوِ حين نَسيَه، وقد قالَ: «صَلُّوا كما رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي». وإنَّما سقطَ بالسَّهوِ إلى بَدلٍ، فأشبَهَ جُبراناتِ الحَجِّ تُجبَرُ بالدَّمِ، بخِلافِ السُّننِ، ولأنَّه أحَدُ التشهُّدَينِ، فكانَ واجِبًا، كالآخَرِ.

قالَ الإمامُ ابنُ نُجَيمٍ الحَنفِيُّ : قولُه: (وَالتشهُّدُ) أي: الأوَّلُ والثاني -وفي بعضِ نُسَخِ النِّقايَةِ: والتشهُّدَانِ، بلَفظِ التَّثنِيَةِ- لِلمَواظَبَةِ الدَّالَّةِ على الوُجوبِ، ولقولِه لابنِ مَسعودٍ: «قُلِ: التَّحِيَّاتُ للهِ»، مِنْ غيرِ تَفرِقَةٍ بينَ الأوَّلِ والثاني.

واختارَ جَمَاعةٌ سُنِّيةَ التشهُّدِ في القَعدةِ الأُولى، لِلفَرقِ بينَ القَعدَتَينِ؛ لأنَّ الأخيرةَ لمَّا كانَت فَرضًا كانَ تَشهُّدُها واجِبًا، والأُولى لمَّا كانَت واجِبَةً كانَ تَشهُّدُها سُنَّةً. وأُجيبَ بمَنعِ المُلازَمةِ؛ فإنَّ التشهُّدَ إنَّما هو ذِكرٌ مَشروعٌ في حالةٍ مَخصوصةٍ واظَبَ عليه النَّبيُّ في القَعدَتَينِ؛ فلِذا كانَ الوُجوبُ فيهما ظاهِرَ الرِّوايةِ، وهو الأصحُّ، كما في المُحيطِ والذَّخيرةِ،


(١) رواه البخاري (٧٩٥)، ومسلم (٥٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>