للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسَّببُ في هذا الاختِلافِ كلِّه اختِلافُ الآثارِ الوارِدةِ في ذلك، ومُخالَفةُ عمَلِ أهلِ المَدينةِ بعضِهم لِبَعضٍ، وذلك أنَّ في ذلك أحادِيثَ، منها حَديثُ عَبد اللهِ بنِ مَسعودٍ، وحَديثُ البَراءِ بنِ عازِبٍ: «أنَّه كانَ يَرفَعُ يَديه عندَ الإحرامِ مرَّةً واحدةً لا يَزيدُ عليها».

وحَديثٌ آخَرُ عن سالِمِ بنِ عَبد اللهِ بنِ عمرَ عن أبيه: «أنَّ رَسولَ اللهِ كانَ إذا افتَتحَ الصَّلاةَ رفعَ يَديهِ حَذوَ مَنكِبَيهِ، وإذا رفعَ رَأسَه مِنْ الرُّكوعِ رفعَهما أيضًا كذلك، وقالَ: سمِع اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، رَبَّنَا ولكَ الحَمدُ، وكانَ لا يَفعلُ ذلك في السُّجودِ»، وهو حَديثٌ مُتفقٌ على صحَّتِه، وزَعَموا أنَّه رَوى ذلك عن النَّبيِّ ثَلاثةَ عَشَرَ رَجلًا مِنْ أصحابِه، ومنها حَديثُ وائِلِ بنِ حُجرٍ، وفيه زِيادةٌ على ما في حَديثِ عَبد اللهِ بنِ عمرَ أنَّه كانَ يَرفَعُ يَديهِ عندَ السُّجودِ.

فمَن حَمَلَ الرَّفع ههنا على أنَّه نَدبٌ أو فَريضةٌ، فمنهم مَنِ اقتَصرَ به على الإحرامِ فَقط؛ تَرجيحًا لحَديثِ عَبد اللهِ بنِ مَسعودٍ، وحَديثِ البَراءِ بنِ عازِبٍ، وهو مَذهبُ مالِكٍ؛ لِمُوافَقةِ العملِ به، ومنهم مَنْ رجَّح حَديثَ عَبد اللهِ بنِ عمرَ، فَرَأى الرَّفعَ في المَوضِعَينِ، أعني في الرُّكوعِ وفي الافتِتاحِ، لِشُهرَتِه، واتَّفق الجَميعُ عليه، ومَن كانَ رَأيُه مِنْ هؤلاءِ أنَّ الرَّفعَ فَريضةٌ، حَمَلَ ذلك على الفَريضةِ، ومَن كانَ رَأيُه أنَّه نَدبٌ، حَمَلَ ذلك على النَّدبِ.

ومنهم مَنْ ذَهب مَذَهب الجَمعِ، وقالَ: إنَّه يجبُ أن تُجمعَ هذه الزِّياداتُ بَعضُها إلى بَعضٍ، على ما في حَديثِ وائِلِ بنِ حُجرٍ فإنَّ العُلماءَ ذَهَبوا في هذه الآثارِ مَذَهبينِ: إمَّا مَذَهب التَّرجيحِ وإمَّا مَذَهب الجَمعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>