الوجهُ التَّاسعُ: أنَّ غايَةَ ما منَعَ المانِعونَ مِنْ صحَّةِ هذا الخُلعِ أنَّه حِيلةٌ والحِيَلُ باطِلةٌ؛ ومُنازِعُوهم يُنازِعونَهم في كِلتَا المُقدمتَينِ، فيَقولونَ: الاعتِبارُ في العُقودِ بصُورِها دونَ نيَّاتِها ومَقاصِدِها، فليسَ لنا أنْ نَسألَ الزَّوجَ إذا أرادَ خُلعَ امرأتِه: ما أردْتَ بالخُلعِ؟ وما السَّببُ الَّذي حمَلَكَ عليهِ؟ هل هو المشاقَّةُ أو التَّخلُّصُ مِنَ اليَمينِ؟ بل نُجري حُكمَ التَّخالعِ على ظاهرِه، ونَكِلُ سَرائرَ الزَّوجَينِ إلى اللهِ.
قالُوا: ولو ظهَرَ لنا قصدُ الحِيلةِ فالشَّأنُ في المُقدِّمةِ الثَّانيةِ فليسَ كلُّ حِيلةٍ باطلة محرَّمةً، وهل هذا الفَصلُ الطَّويلُ الَّذي نحنُ فيهِ إلَّا في أقسامِ الحِيَلِ؟ والحيلةُ المحرَّمةُ الباطلةُ هيَ الَّتي تتضمَّنُ تَحليلَ ما حرَّمَه اللهُ أو تَحريمَ ما أحَلَّه اللهُ أو إسقاطَ ما أوجَبَه، وأمَّا حِيلةٌ تتضمَّنُ الخَلاصَ مِنْ الآصارِ والأغلالِ والتَّخلصَ مِنْ لَعنةِ الكَبيرِ المُتعالِ فأهلًا بها مِنْ حِيلةٍ وبأمثالِها، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ [البقرة: ٢٢٠] والمَقصودُ تَنفيذُ أمرِ اللهِ ورَسولِه بحسَبِ الإمكانِ، واللهُ المُستعانُ.