وخطَأَ غيرِه، وإلَّا لَضاقَ الأمرُ على النَّاسِ، واللهُ ﷾ لَم يُكلِّفْ عِبادَه ما لا يُطيقونَه، وإنَّما جعَلَ اختِلافَ المَذاهبِ رَحمةً لهذهِ الأمَّةِ.
وممَّا يُؤيِّدُ ذلكَ ما نقَلَه القاضي أبو الحُسينِ في فُروعِه: أنَّ أُناسًا جاؤُوا الإمامَ أحمَدَ بفَتوًى سألُوه عنها، فلَم تَكنْ على مَذهبِه فقالَ: عَليكُم بحَلقةِ المَدنيِّينَ، ففي هذا دَليلٌ على أنَّ المُفتِي إذا جاءَهُ المُستفتِي ولم يَكنْ عِندَه رُخصةً يَدلُّه عَلى مَذهبٍ لهُ فيهِ رُخصةٌ. انتهى.
قالَ الرُّحيبانِيُّ ﵀: تَتمَّةٌ: قالَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ: لوِ اعتَقدَ الرَّجلُ البَينونةَ بخُلعِ الحِيلةِ ثمَّ فعَلَ ما حلَفَ عليهِ فحُكمُه كما لو قالَ لِمَنْ ظَنَّها أجنبيَّةً: «أنتِ طالِقٌ» فبانَتْ أنها امرَأتُه؛ فتَبِينُ امرأتُه بذلكَ، ولو خالَعَ حِيلةً وفعَلَ المَحلوفَ عليهِ مُعتقدًا زوالَ النِّكاحِ ولم يَكنِ الأمرُ كذلكَ؛ لعَدمِ صحَّةِ الخُلعِ حِيلةً؛ فهو كما لو حلَفَ على شيءٍ يَظنُّه فبانَ بخِلافِ ظنِّه، فيَحنثُ بطَلاقٍ وعِتاقٍ.
قالَ في «التَّفتيح»: وغالِبُ النَّاسِ واقِعٌ في ذلكَ -أي: في الخُلعِ لإسقاطِ يَمينِ الطَّلاقِ-.
قالَ في «شَرح الإقناعِ»: قلتُ: ويُشبِهُه مَنْ يَخلعُ الأختَ ثمَّ يتزوَّجُ أختَها، ثمَّ يَخلعُ الثَّانيةَ ويُعيدُ الأُولَى وهَلُمَّ جَرًّا، وهو داخِلٌ في قَولِ الشَّيخِ: خُلعُ الحِيلةِ لا يَصحُّ، وقَولِهم: والحِيَلُ كلُّها غيرُ جائِزةٍ في شيءٍ مِنْ أُمورِ الدِّينِ (١).
(١) «مطالب أولي النهى» (٥/ ٣١٥، ٣١٧)، ويُنظر: «المبدع» (٧/ ٢٤٨)، و «الفروع» (٥/ ٢٧٨، ٢٧٩)، و «الإنصاف» (٨/ ٤٢٤، ٤٢٥)، و «كشاف القناع» (٥/ ٢٦٤، ٢٦٥)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ٣٥٩)، و «منار السبيل» (٣/ ٧٤، ٧٥).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute