للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبعوثَينِ حاكِمانِ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى سمَّاهُما حكَمينِ، ولهُما أنْ يَفعَلا ما يرَيانِ مِنْ جَمعٍ أو تَفريقٍ بعِوضٍ وبغيرِ عِوضٍ، ولا يَحتاجانِ إلى تَوكيلِ الزَّوجينِ ولا رِضاهُما؛ لأنَّ اللهَ تعالَى قالَ: ﴿فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٣٥]، فسمَّاهُما حكَمينِ، ولم يَعتبِرْ رضَا الزَّوجَينِ؛ لأنَّه قالَ: ﴿إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا﴾ [النساء: ٣٥]، فخاطَبَ الحكَمينِ بذلكَ وليسَ الزَّوجينِ، ولأنَّ الخِطابَ الوارِدَ بالأحكامِ وتَنفيذِها يَنصرفُ إلى الأئمَّةِ والحُكَّامِ دونَ أهلِ الخُصوماتِ، ولأنَّ تَسميتَهُما بأنهُما حَكَمانِ يَنفي كونَهُما وَكيلَينِ، وقولُ عليٍّ للحكَمينِ: «أتَدْرِيانِ ما عَليكُما، إنْ رأَيْتُما أنْ يُصلِحَا أصلَحْتُما، وإنْ رَأيتُما أنْ يُفرَّقَا فرَّقْتُما»، ولَم يَشتَرطْ رضَا الزَّوجينِ، ولأنَّ للحاكمَ مَدخلًا في إيقاعِ الفُرقةِ بينَ الزَّوجَينِ لإزالةِ الضَّررِ كالطَّلاقِ على المُولِي، والمُعسِرِ بالنَّفقةِ والمَهرِ، وغَيرِه، فإذا كانَ له ذلكَ في إزالةِ الضَّررِ عن أحَدِهما كانَ بأنْ يكونَ في حَقِّهما أَولى (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ العرَبيِّ : قولُه تعالَى: ﴿حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٣٥] هذا نَصٌّ مِنْ اللهِ سُبحانَه في أنهُما قاضِيانِ لا وَكيلانِ، وللوكيلِ اسمٌ في الشَّريعةِ ومعنًى، وللحكَمِ اسمٌ في الشَّريعةِ ومَعنًى، فإذا بيَّنَ


(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٣٧٠، ٣٧١)، رقم (١٢٠٥)، و «البيان» (٩/ ٥٣٢، ٥٣٣)، و «روضة الطالبين» (٥/ ٢٣٤)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٤٢٣)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٤٢٨)، و «المغني» (٤/ ٧٢٢٤)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>