للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولِمَا رُويَ عَنْ إيَاس بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبِي ذبابٍ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ : «لا تَضرِبوا إمَاءَ اللهِ»، فَجاءَ عمَرُ إلى رَسولِ اللهِ فقالَ: ذَئِرْنَ النِّساءُ على أزواجِهنَّ، فرخَّصَ في ضَربِهنَّ، فأَطافَ بآلِ رَسولِ اللهِ نِساءٌ كَثيرٌ يَشكُونَ أزواجَهُنَّ، فقالَ النَّبيُّ : «لقدْ طافَ بآلِ مُحمدٍ نِساءٌ كَثيرٌ يَشكُونَ أزواجَهُنَّ ليسَ أُولئكَ بخِيارِكُمْ» (١)، وهذا الحَديثُ مَحمولٌ على أنَّ الأَولى العَفوُ عنِ الضَّربِ، أو أنَّ الضَّربَ بغيرِ سَببٍ يَقتضيهِ لا على النَّسخِ؛ إذ لا يُصارُ إلى النَّسخِ إلَّا إنْ تعذَّرَ الجَمعُ وعَلِمْنا التَّاريخَ.

قالَ العَمرانِيُّ بعدَ أنْ ذكَرَ هذا الحَديثَ: فإذا قُلنا: يَجوزُ نَسخُ السُّنةِ بالكِتابِ .. فيَحتملُ أنْ يكونَ النَّبيَّ نهَى عَنْ ضَربِهنَّ، ثمَّ نسَخَ الكِتابُ السُّنةَ بقَولِه: ﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤]، ثمَّ أَذِنَ رَسولُ اللهِ في ضَربِهنِّ مُوافِقًا للكِتابِ، غيرَ أنَّه بيَّنَ أنْ ترْكَه أَولى بقَولِه: «ومَا تَجدُونَ أولئكَ بخِيارِكُم».

وإنْ قُلنا: إنَّ نسْخَ السُّنةِ لا يَجوزُ بالكِتابِ .. احتَملَ أنْ يكونَ النَّهيُّ عَنْ ضَربِهنَّ مُتقدِّمًا، ثمَّ نسَخَه النَّبيُّ وأَذِنَ في ضَربِهنَّ، ثمَّ ورَدَ الكِتابُ مُوافِقًا للسُّنةِ في ضَربِهنَّ.

ومعنَى قولَهِ: «ذَئِرَ النِّساءُ على أزواجِهِنَّ» أي: اجْتَرأْنَ على أزواجِهِنِ (٢).


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢١٤٦)، وابن حبان في «صحيحه» (٤١٨٩).
(٢) «البيان» (٩/ ٥٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>