أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ﴾ [النساء: ١٢٩]، وقالَ تعالَى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، فبَيَّنَ اللَّهُ تعالَى أنَّ لهنَّ حَقًّا وأنَّ عليهنَّ حَقًّا، ولمْ يُرِدْ بقَولِه: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٨] في تَجانُسِ الحَقَّينِ وتَماثُلِهما، وإنَّما أرادَ في وُجوبِهما ولُزومِهما، فكانَ مِنْ حَقِّها عليهِ وُجوبُ السُّكنَى والنَّفقةِ والكُسوةِ.
ثمَّ فسَّرَ الشَّافعيُّ قَولَه: ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ فقالَ: «وجِماعُ المَعروفِ بَينَ الزَّوجَينِ كَفُّ المَكروهِ وإعفاءُ صاحبِ الحَقِّ مِنْ المُؤنةِ في طَلبِه»، وهذا صحيحٌ؛ لأنهُ ليسَ فِعلُ المَكروهِ مِنْ المَعروفِ المأمُورِ بهِ بَينَ الزَّوجَينِ، ولا إلزامُ المُؤنةِ في استِيفاءِ الحَقِّ مَعروفٌ.
ثمَّ قالَ: «لا بإظهارِ الكَراهيَةِ في تأدِيتِه»، وهذا صحيحٌ؛ لأنَّ تأدِيةَ الحقِّ بالكَراهِيةِ وعُبوس الوَجهِ وغَليظ الكَلامِ ليسَ مِنَ المَعروفِ.
ثمَّ قالَ: «فأيُّهما مطَلَ فمَطْلُ الغَنيِّ ظُلمٌ»، وهذا صَحيحٌ؛ لأنَّ القادِرَ على أداءِ الحَقِّ ظالمٌ بتَأخيرِه، قالَ النَّبيُّ ﷺ: «مَطْلُ الغَنيِّ ظُلمٌ».
ثمَّ يَدلُّ على ما ذكَرْناهُ مِنْ طَريقِ السُّنةِ ما رَوى مُوسى بنُ عُقبةَ عن صَدَقةَ بنِ يَسارٍ عَنِ ابنِ عُمرَ أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «أيُّها النَّاسُ إنَّ النِّساءَ عِنْدَكُمْ عِوانٌ، أَخذتُموهُنَّ بأمانةِ اللَّهِ واستَحلَلتُم فُروجَهُنَّ بكَلمةِ اللَّهِ، فلَكُم عَليهنَّ حَقٌّ ولَهنَّ عَليكُم حَقٌّ، ومِن حَقِّكُم عَليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute