وجمَعَتْ طائفةٌ أُخرى بينَ الحَديثينِ وقالَتْ: إنَّ اليهودَ كانَتْ تقولُ: «إنَّ العزلَ لا يكونُ معهُ حَملٌ أصلًا» فكذَّبَهم رسولُ اللهِ ﷺ في ذلكَ، ويَدلُّ عليهِ قولُه ﷺ: «لَو أرادَ اللهُ أنْ يَخلقُه لَمَا استَطعْتَ أنْ تَصرفَه»، وقولُه: «إنَّه الوأدُ الخَفِيُّ»؛ فإنَّه وإنْ لم يَمنعِ الحَملَ بالكلِّيةِ كتَركِ الوطءِ فهوَ مؤثِّرٌ في تقليلِهِ.وقالَتْ طائفةٌ أُخرى: الحديثانِ صحيحانِ، ولكنَّ حديثَ التَّحريمِ ناسِخٌ، وهذهِ طريقةُ أبي مُحمدٍ ابنِ حزمٍ وغَيرِه، قالُوا: لأنهُ ناقِلٌ عنِ الأصلِ، والأحكامُ كانَتْ قبلَ التَّحريمِ على الإباحةِ، ودعوَى هؤلاءِ تحتاجُ إلى تاريخٍ مُحقَّقٍ يبيِّنُ تأخُّرَ أحَدِ الحديثَينِ عنِ الآخَرِ، وأنَّى لهُم بهِ، وقدِ اتَّفقَ عمَرُ وعليٌّ ﵄ على أنها لا تكونُ مَوءودةً حتَّى تَمُرَّ عليها التَّاراتُ السَّبعُ، فروَى القاضي أبو يَعلَى وغيرُه بإسنادِه عن عُبيدِ بنِ رفاعةَ عن أبيهِ قالَ: «جلَسَ إلى عمَرَ عليُّ والزُّبيرُ وسعدٌ ﵃ في نفَرٍ مِنْ أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ وتَذاكَرُوا العزلَ فقالُوا: لا بأسَ بهِ، فقالَ رجلٌ: إنهُم يَزعمونَ أنها المَوءُودةُ الصُّغرَى، فقالَ عليٌّ ﵁: لا تكونُ مَوءودةً حتَّى تَمُرَّ عليها التَّاراتُ السَّبعُ، حتَّى تكونَ مِنْ سُلالةٍ مِنْ طِينٍ ثمَّ تكونُ نُطفةً ثمَّ تكونُ علَقةً ثمَّ تكونُ مُضغةً ثمَّ تكونُ عِظامًا ثمَّ تكونُ لحمًا ثمَّ تكونُ خلْقًا آخَرَ، فقالَ عمَرُ ﵁: صَدَقتَ أطالَ اللهُ بقاءَكَ»، وبهَذا احتَجَّ مَنْ احتَجَّ على جوازِ الدُّعاءِ للرَّجلِ بطُولِ البقاءِ.وأمَّا مَنْ جوَّزَه بإذنِ الحرَّةِ فقالَ: للمَرأةِ حقٌّ في الولدِ كما للرَّجلِ حقٌّ فيهِ، ولهَذا كانَتْ =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute