للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم أَقِفْ للحَنابلةِ على قولٍ، فإنهُم لمْ يَذكرُوا هذا الشَّرطَ في بابِ الشُّروطِ في النِّكاحِ، لا فيما يَجوزُ مِنها ولا فيما لا يجوزُ، وإنِّما ذَكرُوا هذا فيما لو جعَلَ الزَّوجُ طلاقَها لها بَعدَ الزَّواجِ، بأنْ يَتزوَّجَها ويَجعلَ أمرَها بيدِها، فهذا جائِزٌ عِندَهم وعندَ فُقهاءِ المَذاهبِ الأربَعةِ كما سَيأتي إنْ شاءَ اللهُ تعالَى في الطَّلاقِ.

إلَّا أنِّي وَجدْتُ كَلامًا جَميلًا لابنِ القيِّمِ ، حيثُ قالَ: إذا تَزوَّجَتِ المرأةُ وخافَتْ أنْ يُسافِرَ عنها الزَّوجُ ويَدعَها، أو يُسافِرَ بها ولا تُريدُ الخُروجَ مِنْ دارِها، أو أنْ يَتزوَّجَ عليها أو يَتسرَّى، أو يَشربَ المُسْكِرَ أو يَضربَها مِنْ غيرِ جُرمٍ، أو يَتبيَّنَ فَقيرًا وقدْ ظنَّتهُ غَنيًّا، أو مَعِيبًا وقد ظنَّتهُ سَليمًا، أو أُمِّيًّا وقد ظنَّتهُ قارِئًا، أو جاهِلًا وقد ظنَّتهُ عالِمًا، أو نحو ذلكَ فلا يُمكِنُها التخلُّصُ فالحِيلةُ لها في ذلكَ كُلِّه أنْ تَشتَرطَ عليهِ أنه متى وُجِدَ شيءٌ مِنْ ذلكَ فأمرُها بيَدِها، إنْ شاءَتْ أقامَتْ معهُ وإنْ شاءَتْ فارقَتْهُ، وتُشهِدَ عليهِ بذلكَ، فإنْ خافَتْ أنْ لا تَشتَرطَ ذلكَ بعدَ لُزومِ العَقدِ فلا يُمكِنُها إلزامُه بالشَّرطِ فلا تأذَن لوَليِّها أنْ يُزوِّجَها منهُ إلَّا على هذا الشَّرطِ، فيقولَ: «زوَّجتُكُما على أنَّ أمْرَها بيَدِها إنْ كانَ الأمرُ كَيْتَ وكَيْتَ»؛ فمتى كانَ الأمرُ كذلكَ ملَكَتْ تَطليقَ نَفسِها، ولا بأسَ بهذهِ الحِيلةِ، فإنَّ المرأةَ تتَخلَّصُ بها مِنْ نكاحِ مَنْ لم تَرضَ بنِكاحِه، وتَستَغني بها عن رَفعِ أمرِها إلى الحاكمِ ليَفسخَ نِكاحَها بالغَيْبةِ والإعسارِ ونَحوِهما (١).


(١) «إعلام الموقعين» (٣/ ٣٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>