للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الكاسانِيُّ : وجُملةُ الكَلامِ في هِبةِ المَهرِ أنَّ المَهرَ لا يَخلو: إمِّا أنْ يكونَ عَينًا -وهوَ أنْ يكونَ مُعيَّنًا مُشارًا إليه ممَّا يَصحُّ تَعيينُه-، وإمَّا أنْ يكونَ دَينًا -وهوَ أنْ يكونَ في الذِّمةِ كالدَّراهمِ والدَّنانيرِ، مُعيَّنةً كانَتْ أو غيْرَ مُعيَّنةٍ والمَكيلاتِ والمَوزُوناتِ في الذِّمةِ والحَيوانِ في الذِّمَّةِ كالعَبدِ والفَرَسِ والعَرضِ في الذِّمةِ كالثَّوبِ الهَرَويِّ-، والحالُ لا يَخلو: إمَّا أنْ يكونَ قبْلَ القَبضِ، وإمَّا أنْ يكونَ بعْدَ القَبضِ، وهَبَتْ كلَّ المَهرِ أو بَعضَه، فإنْ وَهبَتْه كُلَّ المَهرِ قبْلَ القَبضِ ثُمَّ طلَّقَها قبْلَ الدُّخولِ بها فلا شيءَ لهُ عليها، سَواءٌ كانَ المَهرُ عَينًا أو دَينًا في قَولِ أصحابِنا الثَّلاثةِ.

وقالَ زُفرُ: يَرجعُ عليها بنِصفِ المَهرِ إنْ كانَ دَينًا، وبهِ أخَذَ الشَّافعيُّ.

وَجهُ قَولِ زُفرَ: أنها بالهِبةِ تَصرَّفتْ في المَهرِ بالإسقاطِ، وإسقاطُ الدَّينِ استِهلاكُه، والاستِهلاكُ يَتضمَّنُ القَبضَ، فصارَ كأنها قَبضَتْ ثمَّ وَهبَتْ.

ولنا: أنَّ الَّذي يَستحِقُّه الزَّوجُ بالطَّلاقِ قبْلَ القَبضِ عادَ إليهِ مِنْ جِهتِها بسَببٍ لا يُوجبُ الضَّمانَ؛ لأنهُ يَستحِقُّ نِصفَ المَهرِ فقدْ عادَ إليهِ بالهِبةِ، والهِبةُ لا تُوجِبُ الضَّمانَ، فلا يكونُ لهُ حَقُّ الرُّجوعِ عليها بالنِّصفِ كالنِّصفِ الآخَرِ.

وإنْ وَهبَتْ بعْدَ القَبضِ؛ فإنْ كانَ المَوهوبُ عَينًا فقَبضَه ثمَّ وهَبَه منها لم يَرجعْ عليها بشيءٍ؛ لأنَّ ما تَستحِقُّه بالطَّلاقِ قبْلَ الدُّخولِ هوَ نِصفُ المَوهوبِ بعَينِه، وقَد رجَعَ إليهِ بعَقدٍ لا يُوجبُ الضَّمانَ، فلم يَكنْ لهُ الرُّجوعُ عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>