للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنِ الشَّعبيِّ قالَ: ما كانَ أحَدٌ مِنْ أصحابِ النَّبيِّ أشَدَّ في النِّكاحِ بغَيرِ وَلِيٍّ مِنْ عَليٍّ ، كانَ يَضرِبُ فيهِ.

ورَوى الشَّالَنْجيُّ بإسنادِهِ عَنْ عِكرِمةَ بنِ خالِدٍ أنَّ الطَّريقَ جَمَعَتْ رَكْبًا فيهِ امرأةٌ ثَيِّبٌ، فخطَبَها رَجلٌ، فأنكَحَها رَجلٌ وهوَ غَيرُ وَليٍّ بصَداقٍ وشُهودٍ، فلمَّا قَدِمُوا على عُمرَ رُفِعَ إليهِ أمرُهُما، ففرَّقَ بيْنَهما وجلَدَ النَّاكحَ والمُنكِحَ.

ولَنا: أنَّ هذا مُختلَفٌ في إباحَتِه، فَلم يَجبْ بهِ الحَدُّ كالنِّكاحِ بغَيرِ شُهودٍ، ولأنَّ الحَدَّ يُدرَأُ بالشُّبُهاتِ، والاختِلافُ فيهِ أَقوى الشُّبهاتِ، وتَسميتُها زانيَةً يَجوزُ بدَليلِ أنهُ سَمَّاها بذلكَ بمُجرَّدِ العَقدِ، وعُمَرُ جلَدَهما أَدَبًا وتَعزيرًا، ولذلكَ جلَدَ المُنكِحَ ولَم يَجلِدِ المَرأةَ، وجَلَدَهما بمُجرَّدِ العَقدِ معَ اعتِقادِهما حِلَّه، وكذلكَ حَديثُ عليٍّ، علَى أنَّ حَديثَ عليٍّ حُجَّةٌ على مَنْ أوجَبَ الحَدَّ فيهِ؛ فإنَّ عَليًّا أشَدُّ الناسِ فيهِ، وقدِ انتَهى الأمرُ إلى الجَلدِ، فدَلَّ على أنَّ سائِرَ النَّاسِ والصَّحابةِ لَم يَرَوْا فيهِ جَلدًا.

فإنْ قيلَ: فَقد أوجَبْتُم الحَدَّ على شارِبِ النَّبيذِ معَ الاختِلافِ فيهِ.

قُلنا: هوَ مُفارِقٌ لمَسألَتِنا، بدَليلِ أنَّا نَحُدُّ مَنْ اعتَقدَ حِلَّه، ولأنَّ يَسيرَ النَّبيذِ يَدعو إلى كَثرةِ المُتَّفَقِ على تَحريمِه، وهذا المُختَلفُ فيهِ يُغنِي عنِ الزِّنَى المُجمَعِ على تَحريمِه، فافتَرَقا.

فإذا ثبَتَ هذا فإنَّ مَنْ اعتَقدَ حِلَّهُ ليسَ عليهِ إثمٌ ولا أدَبٌ؛ لأنهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>