وكذا لو كانَتْ قد انتقَلَتْ إلى بيتِ زوجِها ولم يَدخلْ بها فإنه يَجوزُ للزوجة أنْ تَمنعَ نفسَها عن زوجِها ولا تُسلِّمَه نفسَها حتى تَقبضَ جميعَ مهرِها المُعجَّلِ ولو بلا عذرٍ؛ دفعًا لضَررِ فواتِ البضعِ، فإذا طلَبَ منها تسليمَ نفسِها وقد أخَّرَ تسليمَ الصداقِ لعذرٍ أو لغير عذرٍ … لم تَلزمْها الإجابةُ إلِّا أنْ يُسلِّمَها الصَّداقَ بتمامِه، كيلَا يفوتَ عليها.
ولأنَّ المهرَ عِوضٌ عن بُضعِها كالثمنِ عوضٌ عن المبيعِ، وللبائع حَقُّ حبسِ المَبيعِ لاستيفاءِ الثمنِ، فكانَ للمرأةِ حقُّ حَبسِ نفسِها لاستيفاءِ المهرِ، وليسَ للزوجِ منعُها عن السَّفرِ والخروجِ مِنْ مَنزلِه وزيارةِ أهلِها قبلَ إيفاءِ المهرِ؛ لأنَّ حقَّ الحَبسِ إنما يَثبتُ لاستيفاءِ المُستحَقِّ، فإذا لم يَجبْ عليها تسليمُ النفسِ قبلَ إيفاءِ المهرِ لم يَثبتْ للزوج حقُّ الاستيفاءِ، فلا يثبتُ له حقُّ الحبسِ، وإذا أوفاها المهرَ فله أنْ يَمنعَها مِنْ ذلكَ كلِّه إلا مِنْ سَفرِ الحَجِّ إذا كانَ عليها حَجَّةُ الإسلامِ ووجَدَتْ مَحرَمًا، وله أنْ يَدخلَ بها؛ لأنه إذا أوفاها حقَّها يَثبتُ له حقُّ الحبسِ لاستيفاءِ المَعقودِ عليه، فإنْ أعطاها المهرَ إلا دِرهمًا واحدًا فلها أنْ تَمنعَ نفسَها وأنْ تَخرجَ مِنْ مِصرِها حتى تقبضَه؛ لأنَّ حقَّ الحبسِ لا يَتجزَّأُ، فلا يبطلُ إلا بتسليمِ كلِّ البدلِ كما في البيعِ.