أنْ يَثبتَ دونُها عوضًا كالبيعِ، ولأنه عِوضٌ على إحدَى مَنفعتَيها، فلمْ يَتقدَّرْ؛ قياسًا على أُجرةِ مَنافعِها، ولأنَّ ما يُقابِلُ البضعَ مِنَ البدلِ لا يَتقدَّرُ في الشرعِ كالخُلعِ، ولأنَّ كلَّ عِوضٍ لا يتقدَّرُ أكثرُه لا يتقدَّرُ أقلُّه؛ قياسًا على جَميعِ الأعواضِ.
فإذا ثبَتَ أنَّ أقلَّ المهرِ وأكثرَه غيرُ مُقدَّرٍ فهوَ معتَبَرٌ بما تَراضَى عليه الزوجانِ مِنْ قليلٍ وكَثيرٍ، وسواءٌ كانَ أكثرَ مِنْ مهرِ المثلِ أو أقلَّ إذا كانَتِ الزوجةُ جائزةَ الأمرِ، فإنْ كانَتْ صغيرةً زوَّجَها أبوها لم يَجُزْ أنْ يزوِّجَها بأقلَّ مِنْ مهرِ مثلِها؛ لأنه مُعاوِضٌ في حقِّ غيرِه، فرُوعيَ فيهِ عوضُ المثلِ كما يُراعَى في بيعِه لِمَا لها ثَمنُ المثلِ وإنْ لم يُراعِ ذلكَ في بيعِها لنَفسِها.
والأَولى أنْ يَعدِلَ الزوجانِ عن التناهي في الزيادةِ التي يَقصرُ العمرُ عنها، وعن التناهي في النُّقصانِ الذي لا يكونُ له في النُّفوسِ مَوقِعٌ، وخيرُ الأمورِ أَوسَاطُها، وأنْ يُقتدَى برَسولِ اللهِ ﷺ في مهورِ نِسائِه؛ طَلبًا للبركةِ في مُوافَقتِه، وهو خَمسمائةُ درهمٍ على ما رَوتْهُ السيدةُ عائشةُ ﵂، وقد جَعَلَ عبدُ الملكِ بنُ مروانَ مُهورَ الشَّريفاتِ مِنْ نِساءِ قومِه أربعةَ آلافِ درهمٍ؛ اقتِداءً بصَداقِ أمِّ حَبيبةَ.
وقد رَوى مُجاهدٌ عن ابنِ عبَّاسٍ ﵄ أنَّ النبيَّ ﷺ قالَ:«خَيرُهنَّ أَيسَرُهنَّ صَداقًا»(١).