للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا لمَّا اتفقَ الجَميعُ على أنه لا يجوزُ استباحةُ البُضعِ بغيرِ بَدلٍ واختَلفوا فيما تَجوزُ استباحتُه به مِنْ المِقدارِ وجَبَ أنْ يكونَ باقيًا على الحَظرِ في مَنعِ استباحتِه إلَّا بما قامَ دَليلُ جوازِه وهوَ العَشرةُ المتفَقُ عليها، وما دونَها مُختلَفٌ فيه فالبُضعُ باقٍ على حُكمِ الحَظرِ.

وأيضًا لمَّا لم تَجُزِ استباحتُه إلا ببَدلٍ كانَ الواجبُ أنْ يكونَ البدلُ الذي به يَصحُّ قيمةُ البُضعِ هوَ مهرَ المثلِ وأنْ لا يُحَطَّ عنه شيءٌ إلا بدَلالةٍ، ألَا ترَى أنه لو تَزوجَها على غير مهرٍ لَكانَ الواجبَ لها مَهرُ مثلِها، وفي ذلكَ دليلٌ على أنَّ عقْدَ النكاحِ يُوجِبُ مهرَ المثلِ، فغيرُ جائزٍ إسقاطُ شيءٍ مِنْ مُوجَبِه إلا بدَلالةٍ، وقد قامَتْ دَلالةُ الإجماعِ على جوازِ إسقاطِ ما زادَ على العشرةِ، واختَلفوا فيما دونَه أنْ يكونَ واجبًا بإيجابِ العقدِ له إذا لم تَقُمِ الدلالةُ على إسقاطِه.

ولأنَّ المهرَ شَرطٌ في النكاحِ ولم يُشرَعْ بدونِه؛ إظهارًا لشَرفِ المحَلِّ وخَطرِه، ولو صَلحَ الفِلسُ وأمثالُه ممَّا ليسَ بخَطيرٍ مهرًا لم يَظهرْ خطرُه ولَجازَ بدونِ المهرِ؛ إذْ ذلكَ القدرُ وُجودُه كعدمِه.

وعلى هذا إذا كانَ المهرُ أقلَّ مِنْ عشرةِ دراهمَ يُكمَّلُ لها عَشرةً عندَ أبي حَنيفةَ وأبي يوسفَ ومُحمدٍ إذا دخَلَ بها أو ماتَ عنها؛ لأنه لمَّا كانَ أدنَى المِقدارِ الذي يَصلحُ مهرًا في الشرعِ هو العشرةَ كانَ ذِكْرُ بعضِ العَشرةِ ذِكرًا للكُلِّ؛ لأنَّ العشرةَ في كونها مَهرًا لا يتجزَّأُ، وذِكرُ البعضِ فيما لا يَتبعَّضُ يكونُ ذِكرًا لكُلِّه كما في الطلاقِ والعفوِ عن القصاصِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>