للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومَحجوبةً في كُنِّ بيتِها، وكانَ مِزاجُها أبرَدَ مِنْ مزاجِ الرجلِ وحَركتُها الظاهرةُ والباطنةُ أقلَّ مِنْ حركتِه، وكانَ الرجلُ قد أُعطِيَ مِنَ القوَّة والحرارةِ التي هيَ سلطانُ الشهوةِ أكثرَ ممَّا أُعطِيَتْه المرأةُ، وبُلِيَ بما لم تُبْلَ به؛ أطلَقَ له مِنْ عددِ المَنكوحاتِ ما لم يُطلِقْ للمرأةِ، وهذا ممَّا خَصَّ اللهُ به الرِّجالَ وفضَّلَهم بِهِ على النساءِ، كما فضَّلَهم عليهنَّ بالرسالةِ والنبوَّةِ والخِلافةِ والمُلكِ والإمارةِ وولايةِ الحُكمِ والجهادِ وغيرِ ذلكَ، وجعَلَ الرجالَ قوَّامينَ على النساءِ ساعِينَ في مَصالحِهنَّ، يَدْأبونَ في أسبابِ مَعيشتِهنَّ ويَركبونَ الأخطارَ، يَجوبونَ القِفارَ ويُعرِّضونَ أنفُسَهم لكلِّ بَليَّةٍ ومِحنةٍ في مَصالحِ الزوجاتِ، والربُّ تعالَى شَكورٌ حَليمٌ، فشكَرَ لهم ذلكَ وجَبَرَهم بأنْ مَكَّنَهم ممَّا لمْ يُمكِّنْ منه الزِّوجاتِ، وأنتَ إذا قايَسْتَ بينَ تَعَبِ الرجالِ وشقائِهم وكَدِّهم ونَصَبِهم في مَصالحِ النساءِ وبينَ ما ابتُليَ به النساءُ مِنَ الغَيرةِ وجَدْتَ حظَّ الرجالِ مِنْ تَحمُّلِ ذلكَ التعبِ والنَّصَبِ والدأْبِ أكثرَ مِنْ حظِّ النساءِ مِنْ تَحمُّلِ الغَيرةِ، فهذا مِنْ كَمالِ عَدلِ اللهِ وحكمتِه ورحمتِه، فلهُ الحمدُ كما هو أهلُه.

وأمَّا قولُ القائلِ: «إنَّ شَهوةَ المرأةِ تزيدُ على شهوةِ الرجلِ» فليسَ كما قالَ، والشهوةُ مَنبعُها الحرارةُ، وأينَ حرارةُ الأنثى مِنْ حرارةِ الذَّكَرِ؟ ولكنَّ المرأةَ -لفراغِها وبطالَتِها وعَدمِ مُعاناتها لِمَا يَشغلُها عن أَمرِ شهوتِها وقضاءِ وطَرِها- يَغمرُها سُلطانُ الشهوةِ ويَستولي عليها، ولا يَجدُ عندَها ما يُعارضُه، بل يُصادفُ قلبًا فارغًا ونفْسًا خالِيةً، فيتمكَّنُ منها كلَّ التمكُّنِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>