للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِسكينٌ أعرابيٌّ يَقعدُ ببابِ المسجدِ، فجاءَتهُ امرأةٌ فقالَتْ لهُ: هلْ لكَ في امرأةٍ تَنكِحُها فتَبِيتُ معَها الليلةَ فتُصبحُ فتُفارِقَها؟ فقالَ: نعمْ، وكانَ ذلكَ، فقالَتْ لهُ امرأتُهُ: إنَّكَ إذا أصبَحْتَ فإنَّهمْ سيَقولونَ لكَ: فارِقْها، فلا تَفعلْ، فإنِّي مُقيمةٌ لكَ ما تَرى، واذهَبْ إلى عُمرَ، فلمَّا أصبَحَتْ أتَوهُ وأتُوها فقالَتْ: كَلِّموه فأنتُم جِئتُم بهِ، فكلَّمُوه فأَبى وانطَلقَ إلى عُمَرَ فقالَ: الْزَمِ امرأتَكَ، فإِنْ رابُوكَ برَيبٍ فائْتِني، وأرسَلَ إلى المرأةِ التي مَشتْ بذلكَ فنكَّلَ بها، ثُمَّ كانَ يَغدو إلى عُمرَ ويَروحُ في حُلَّةٍ فيَقولُ: الحَمدُ للهِ الذي كَسَاكَ يا ذا الرُّقعتَينِ حُلَّةً تَغدو فيها وتَروحُ»، قالَ الشافعيُّ: وقد سَمعْتُ هذا الحديثَ مُسنَدًا مُتصِلًا عنِ ابنِ سيرينَ يُوصلُه عن عمرَ بمِثلِ هذا المعنَى (١).

وهذا قد تقدَّمَ فيهِ الشرطُ على العقدِ، ولم يرَ بهِ عمرُ بأسًا.

قالَ الشافِعيةُ: ولأنَّ ما تقدَّمَ العقودَ مِنَ الشروطِ لا تَلزمُ، فصارَ وجودِ الشرطِ المتقدِّمِ كعدَمِهِ، غيرَ أنَّنا نكرَهُه؛ لأنَّه نوَى فيهِ ما لو أظهرَهُ أفسدَهُ، ولا يَفسدُ بالنيَّةِ؛ لأنهُ قد ينوِي ما لا يَفعلُ، ويَفعلُ ما لا يَنوي، ولأنَّ عُمرَ نَكَّلَ بالمرأةِ التي مَشتْ فيهِ، فدلَّ على كراهَتِهِ (٢).


(١) «الأم» (٥/ ٨٠، ٨١).
(٢) «الحاوي الكبير» (٩/ ٣٣١، ٣٣٤)، و «بحر المذهب» للروياني (٩/ ٣٢٤، ٣٢٥)، و «البيان» (٩/ ٢٧٩)، و «بدائع الصنائع» (٣/ ١٨٧، ١٨٨)، و «المبسوط» (٣٠/ ٢٢٨)، و «شرح فتح القدير» (٤/ ١٨١)، و «تبيين الحقائق» (٢/ ٢٥٩)، و «الاختيار» (٣/ ١٨٥، ١٨٦)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٤٩١)، و «البحر الرائق» (٤/ ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>