للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتَّيْسِ المُستعارِ؟ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: هو المُحلِّلُ، لعَنَ اللهُ المُحلِّلَ والمُحلَّلَ له» (١).

وروى ابنُ عبَّاسٍ قالَ: سُئلَ رَسولُ اللهِ عنِ المُحلِّلِ فقالَ: «لا نِكاحَ إلَّا نِكاحَ رَغبةٍ، لا نِكاحَ دَلسَةٍ ولا مُستَهزِئٍ بكِتابِ اللهِ لم يَذُقِ العُسَيلةَ» (٢).

ولأنه عقدٌ محظورٌ حظرًا استَحقَّ بهِ عاقِدُه والمَعقودُ لهُ اللَّعنَ والوعيدَ، فوجَبَ أنْ يكونَ باطلًا، أصلُه نكاحُ ذواتِ المَحارِمِ، وإذا ثبَتَ أنه فاسِدٌ لم تَحِلَّ للزوجِ الأوَّلِ.

ولأنه نكاحٌ على شرطٍ إلى مدَّةٍ، فكانَ أغلَظَ فسادًا مِنْ نكاحِ المُتعةِ مِنْ وجهَينِ:

أحدُهما: جَهالةُ مدَّتِه، والثاني: أنَّ الإصابةَ فيهِ مَشروطةٌ لغيرِهِ فكانَ بالفسادِ أخَصَّ، ولأنَّه نكاحٌ شُرِطَ فيهِ انقطاعُهُ قبْلَ غايتِه، فَوَجَبَ أنْ يكونَ باطِلًا، أصلُه إذا تزوَّجَها شهرًا أو حتَّى يطَأَ أو يُباشِرَ (٣).


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه ابن ماجه (١٩٣٦).
(٢) حَدِيثٌ مَوضُوع: رواه الطبراني في «الكبير» (١١٥٦٧) قالَ ابنُ حَزمٍ في «المحلى» (١٠/ ١٨٤): هذا حَديثٌ مَوضوعٌ.
(٣) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٤٥٠، ٤٥١) رقم (١٢٦٧)، و «المعونة» (١/ ٥٥٧، ٥٥٨)، و «التمهيد» (١٣/ ٢٣٢، ٢٣٥)، و «شرح زروق على متن الرسالة» (٢/ ٦٥٨)، و «التبصرة» للخمي (٥/ ٢٠٩٥، ٢٠٩٦)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٣٢٣، ٣٢٤)، و «الحاوي الكبير» (٩/ ٣٣٢، ٣٣٣)، و «بحر المذهب» للروياني (٩/ ٣٢٤، ٣٢٥)، و «البيان» (٩/ ٢٧٧، ٢٧٨)، و «النجم الوهاج» (٧/ ١٧٧، ١٧٩)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٣٠٣)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ٣٢٦، ٣٢٧)، و «الديباج» (٣/ ٢٥١، ٢٥٢)، و «المغني» (٧/ ١٣٨، ١٣٩)، و «الإنصاف» (٨/ ١٦١)، و «منار السبيل» (٢/ ٥٨٩)، وسُئلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ عن رجلٍ حنَثَ مِنْ زوْجتِه فنكَحَتْ غيرَه ليُحِلَّها للأولِ، فهل هذا النكاحُ صَحيحٌ أم لا؟
فأجابَ: قد صحَّ عن النبيِّ أنه قالَ: «لعَنَ اللهُ المُحلِّلَ والمُحلَّلَ له» وعنه أنه قالَ: «ألَا أُنبِّئُكم بالتَّيسِ المُستعارِ؟ قالوا: بلَى يا رسولَ اللهِ، قالَ: هو المُحلِّلُ، لعَنَ اللهُ المُحلِّلَ والمُحلَّلَ له»، واتَّفقَ على تَحريمِ ذلكَ أصحابُ رسولِ اللهِ والتابعونَ لهُم بإحسانٍ مثل عمرَ بنِ الخطَّابِ وعُثمانَ بنِ عفَّانَ وعليِّ بنِ أبي طالبٍ وعبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ وعبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ وعبدِ اللهِ بنِ عُمرَ وغيرُهم، حتى قالَ بعضُهم: لا يَزالَا زانيَينِ وإنْ مكَثَا عِشرينَ سَنةً إذا عَلِمَ اللهُ مِنْ قَلبِه أنه يُريدُ أنْ يُحِلَّها له، وقالَ بعضُهم: لا نكاحَ إلا نكاحَ رغبةٍ لا نكاحَ دلسةٍ، وقالَ بعضُهم: مَنْ يُخادِعِ اللهَ يَخدعْه، وقالَ بعضُهم: كنَّا نَعُدُّها على عهدِ رسولِ اللهِ سِفاحًا، وقدِ اتَّفقَ أئمةُ الفتوَى كلُّهم أنه إذا شرَطَ التَّحليلَ في العقدِ كانَ باطلًا، وبعضُهم لم يَجعلْ للشرطِ المتقدِّمِ ولا العُرفِ المطَّردِ تأثيرًا، وجعَلَ العقدَ مع ذلكَ كالنكاحِ المَعروفِ نكاحِ الرغبةِ، وأما الصحابةُ والتابعونَ وأكثرُ أئمَّةِ الفُتيا فلا فرْقَ عندَهم بينَ هذا العرفِ واللفظِ، وهذا مَذهبُ أهلِ المدينةِ وأهلِ الحديثِ وغيرِهما، واللهُ أعلَمُ. «مجموع الفتاوى» (٣٢/ ١٥٤، ١٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>