المَريضَ مِنْ الأرضِ غايةَ ما يُمكِنُه، ولم يَجِب عليه أن يَرفَعَ إليه شَيئًا، ولأنَّ السُّجودَ هو الهُبوطُ، ولا يَحصلُ ذلك برَفعِ المَسجودِ عليه، وإن سقطَ السُّجودُ على الجَبهةِ لِعارِضٍ أو غيرِه، سقطَ عنه السُّجودُ على غيرِه؛ لأنَّه الأصلُ، ولأنَّ غيرَه تَبَعٌ له، فإذا سقطَ الأصلُ سقطَ التَّبَعُ، ولهذا قالَ أحمدُ في المَريضِ الذي يَرفَعُ إلى جَبهتِه شَيئًا يَسجُدُ عليه أنَّه يُجزِئُه.
وقالَ أبو حَنيفَةَ ومالِكٌ والشافِعيُّ في القولِ الآخَرِ وأحمدُ في رِوايةٍ: لا يجبُ السُّجودُ على باقي الأعضاءِ، والسُّجودُ على الجَبهةِ؛ لقولِ النَّبيِّ ﷺ:«سجدَ وَجهِي»، وهذا يدلُّ على أنَّ السُّجودَ على الوَجهِ، ولأنَّ الساجِدَ على الوَجهِ يُسمَّى ساجِدًا، ووَضعُ غيرِه على الأرضِ لا يُسمَّى به ساجِدًا، والأمرُ بالسُّجودِ يَنصرِفُ إلى ما يُسمَّى به ساجِدًا دونَ غيرِه.
وذكرَ الآمِديُّ هذا رِوايةً عن أحمدَ، قالَ القاضي في الجامِعِ: هو ظاهرُ كَلامِ أحمدَ؛ فإنَّه قد نصَّ في المَريضِ الذي يَرفَعُ شَيئًا يَسجُدُ عليه، أنه يُجزِئُه، ومَعلومٌ أنَّه أخَلَّ بالسُّجودِ على يَديه.
وقالوا: إنَّ حَديثَ ابنِ عبَّاسٍ: «أُمِرتُ أنَّ أَسجُدَ على سَبعَةِ أَعظُمٍ»، مَحمُولٌ على السُّنِّيةِ، بدَليلِ آخرِ الحَديثِ، وهو قولُه ﷺ:«ولا أَكفِتَ الشَّعرَ»؛ فإنَّهم نَصُّوا على عدمِ البُطلانِ بكَفتِه، وهذا يدلُّ على أنَّ الأمرَ ليس لِلوُجوبِ، ولا يُقالُ: إذًا لا يجبُ السُّجودُ على الجَبهةِ؛ فإنَّها مِنْ جُملةِ السَّبعةِ، نَقولُ: السُّجودُ أُخِذت فَرضيَّتُه مِنْ قولِ اللهِ تَعالى: ﴿ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾ [الحج: ٧٧]، وحَقيقةُ السُّجودِ وَضعُ الجَبهةِ بالأرضِ (١).