منهُ لم يَرجعْ بهِ الزوجُ على الغارِّ، ولو ردَّتْهُ عليهِ بعْدَ قَبضِهِ فَفي رُجوعهِ وجهانِ: أحَدُهما: لا يَرجعُ، كالابنِ، والثَّاني: يَرجعُ؛ لأنَّ ردَّها لهُ ابتِداءُ هِبةٍ مِنها.
وإنْ كانَتْ هيَ الَّتي غرَّتْهُ لم يَغرمْ لها مِنَ المَهرِ ما يَرجعُ بهِ عَليها؛ لأنه غَيرُ مُقيَّدٍ، وفيهِ وَجهانِ: أحَدُهما: قد سَقطَ جَميعُ مَهرِها بالغرورِ، كما يَرجعُ بجَميعِهِ على غَيرِها لو غرَّهُ، والوَجهُ الثاني -وهوَ مَنصوصُ الشافعيِّ في القَديمِ-: أنهُ يَسقطُ مَهرُ الِمثلِ إلَّا أقلَّ ما يَجوزُ أنْ يكونْ مَهرًا فيَلتزمُهُ لها؛ لئلَّا يَصيرَ مُستَبيحًا لبُضعِها بغَيرِ بذلٍ (١).
وقالَ المالكيَّةُ: إذا ردَّ الزوجُ زوْجتَهُ بعْدَ البِناءِ لعَيبِها رَجعَ بهِ الزوجُ على وَليٍّ لم يَخْفَ عَليهِ حالُها كأبٍ وأخٍ وابنٍ؛ لتَدليسِهِ بالكِتمانِ، ولا شَيءَ عليها مِنَ الصَّداقِ الذي أخذَتْهُ، فلا رُجوعَ للوَليِّ ولا للزوجِ عليها إذا كانَتْ غائِبةً عن مَجلسِ العَقدِ؛ لأنَّ الوليَّ هو الغارُّ.
وأمَّا إنْ كانَتِ الزَّوجةُ حاضِرةً مَجلسَ العَقدِ ولم تُخبِرْ هيَ ولا وليُّها بالعَيبِ فالزوجُ مُخيَّرٌ، إنْ شاءَ رَجعَ على الوَليِّ المَذكورِ أو عَليها؛ لتَدليسِهما بالكِتمانِ، ثمَّ يَرجعُ الوليُّ عليها إنْ أخذَهُ الزوجُ مِنَ الوليِّ، فقَرارُ الغُرمِ عليها، وهذا في العَيبِ الظَّاهرِ كالجُذامِ والبَرصِ، وأمَّا ما لا يَظهرُ إلَّا بعْدَ البِناءِ أو بالوَطءِ كالرَّتقِ فالوليُّ القريبُ فيهِ كالبعيدِ -كما يأتي- لا غُرمَ عليهِ.
(١) «الحاوي الكبير» (٩/ ١٤٥، ١٤٦)، و «البيان» (٩/ ٢٩٩).