خصلَةٌ مِنْ خِصالِ الكَفاءةِ، فلا يَكونُ صاحِبُ حِرفةٍ دَنيئةٍ كفُؤًا لبِنتِ صاحِبِ حِرفةٍ جَليلةٍ، واستَدلُّوا لذلكَ بقَولِه تَعالى: ﴿وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ﴾ [النحل: ٧١] أيْ: في سَببِهِ، فبَعضُهم يَصلُ إليهِ بعِزٍّ وراحةٍ، وبَعضُهم بذُلٍّ ومَشقَّةٍ، وبقَولِه تَعالى: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١)﴾ [الشعراء: ١١١] قالَ المُفسِّرونَ: كانُوا حاكَةً، ولم يُنكِرْ عليهِم هذهِ التَّسميةَ (١).
قالَ الحَنفيةُ: الكَفاءةُ في الحِرَفِ والصِّناعاتِ مُعتبَرةٌ عندَ أبي يُوسفَ ومُحمدٍ؛ لأنَّ الناسَ يُعيِّرونَ بالدَّنيءِ مِنها، ويَفتخِرونَ بشَرَفِ الصِّناعةِ.
فلا يَكونُ الحائِكُ والحجَّامُ والدَّبَّاغُ والكَنَّاسُ كُفئًا للجَوهَريِّ والصَّيرَفِيِّ ولا غيرِها مِنْ الحِرَفِ، ويَكونُ بَعضُهم أكْفَاءَ بَعضٍ.
وتَثبُتُ الكَفاءةُ بيْنَ الحِرفتَينِ في جِنسٍ واحدٍ، كالبَزَّازِ معَ البزَّازِ والحائِكِ معَ الحائِكِ، وتَثبتُ عندَ اختِلافِ جِنسِ الحِرفِ إذا كانَ يُقارِبُ بَعضُها بَعضًا، كالبَزَّازِ معَ الصَّائغِ، والصَّائغِ معَ العَطَّارِ، والحائِكِ معَ الحَجَّامِ، والحَجَّامِ مع الدَّبَّاغِ، ولا تَثبتُ فيما لا مُقارَبةَ بينَهُما، كالعَطَّارِ مع البِيطَارِ، والبَزَّازِ معَ الخَرَّازِ.
وأهلُ الكُفرِ بَعضُهم أكفَاءٌ لبَعضٍ؛ لأنَّ اعتبارَ الكَفاءةِ لدَفعِ النَّقيصةِ، ولا نَقيصةَ أعظمُ مِنْ الكفرِ.
(١) «النجم الوهاج» (٧/ ١٢٨، ١٢٩)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٢٧٨، ٢٧٩)، و «تحفة المحتاج» (٨/ ٦٥٦، ٦٥٧)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ٢٩٩، ٣٠٠)، و «الديباج» (٣/ ٢٢٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute