للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مرَّاتٍ» (١)، ولأنَّ الفاسِقَ مَرذُولٌ مَردودُ الشَّهادةِ والرِّوايةِ غيرُ مأمُونٍ على النَّفسِ والمالِ مَسلوبُ الوِلايةِ ناقصٌ عندَ اللهِ وعندَ خَلقِه قَليلُ الحَظِّ في الدُّنيا والآخِرةِ، فلا يَجوزُ أنْ يكونَ كُفؤًا لعَفيفةٍ ولا مُساوِيًا لها، لكنْ يكونُ كُفؤًا لمِثلِه.

فلو زوَّجَ الوَليُّ المَرأةَ الصَّالحةَ مِنْ فاسِقٍ أو فاجِرٍ بغيرِ رِضاها جازَ لها فَسخُ النكاحِ، وكذا إذا كانَتْ مِنْ بَناتِ الصالِحينَ وزوَّجَتْ نفْسَها مِنْ فاسِقٍ كانَ لأوليائِها حَقُّ الاعتِراضِ؛ لأنَّ التَّفاخُرَ بالدِّينِ أحَقُّ مِنْ التفاخُرِ بالنَّسبِ والحُريةِ والمالِ، والتَّعييرُ بالفِسقِ أشَدُّ وُجوهِ التَّعييرِ، وقَولُ النبيِّ : «تُنكَحُ المَرأةُ لأربَعٍ: لمالِها ولحَسَبِها وجَمالِها ولدِينِها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَداكَ» (٢) إشارةٌ إلى أنه أبلَغُ في المَقصودِ، وهذا عندَ جُمهورِ الفُقهاءِ الحَنفيةِ في المَذهبِ والمالِكيةِ والشافِعيةِ والحَنابلةِ.

وقالَ مُحمدُ بنُ الحسَنِ: لا تُعتبَرُ الكَفاءةُ في الدِّينِ؛ لأنها مِنْ أمورِ الآخِرةِ، والكَفاءةُ مِنْ أحكامِ الدُّنيا، فلا يَقدَحُ فيها الفِسقُ، إلا إذا كانَ شَيئًا فاحِشًا، بأنْ كانَ الفاسِقُ مِمَّنْ يُسخَرُ منهُ ويُضحَكُ عليهِ ويُصفَعُ، فإنْ كانَ ممَّن يُهابُ منه بأنْ كانَ أميرًا قتَّالًا يَكونُ كُفئًا؛ لأنَّ هذا الفِسقَ لا يُعَدُّ شَينًا في العادةِ، فلا يَقدحُ في الكَفاءةِ، وعن أبي يُوسفَ أنَّ الفاسقَ إذا كانَ مُعلِنًا لا يَكونُ كُفئًا، وإنْ كانَ مُستتِرًا يكونُ كُفئًا (٣).


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه الترمذي (١٠٨٥).
(٢) رواه البخاري (٤٨٠٢)، ومسلم (١٤٦٦).
(٣) «بدائع الصنائع» (٢/ ٣٢٠)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٣٠٨)، و «الاختيار» (٣/ ١٢٤)، و «العناية» (٤/ ٤٤٩)، و «مختصر الوقاية» (١/ ٣٦٢)، و «اللباب» (٢/ ٣٣)، و «تفسير القرطبي» (١٦/ ٣٤٧)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٣٠٦، ٣٠٧) رقم (١١٤٣)، و «الفواكه الدواني» (٢/ ٩)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٥٢٦)، و «مواهب الجليل» (٥/ ١٠٣)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٢٠٥)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ٥٨)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٥٩٨)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٧١٨)، و «كنز الراغبين» (٣/ ٥٨١)، و «النجم الوهاج» (٧/ ١٢٦، ١٢٧)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٢٧٧)، و «تحفة المحتاج» (٨/ ٦٥٦)، و «الديباج» (٣/ ٢٢٦)، و «الإفصاح» (٢/ ١٣٤، ١٣٥)، و «المغني» (٧/ ٢٧، ٢٨)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٣٣٨)، و «كشاف القناع» (٥/ ٧٣)، و «شرح منتهى الإرادات» (٥/ ١٥٢)، و «منار السبيل» (٢/ ٥٦٩)، و «فتح الباري» (٩/ ١٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>