للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا الأولُ فلِمَا رُوي عن رسولِ اللهِ أنَّه قالَ: «تُستأمَرُ النِّساءُ في أَبضاعِهنَّ، فقالَتْ عائِشةُ : البِكرُ تَستحِي يا رسولَ اللهِ؟ فقالَ : إذنُها صُماتُها»، فالاستِدلالُ به أنَّ قولَه : «إذنُها صُماتُها» خرَجَ جَوابًا لقَولِ عائشةَ : «إنَّ البِكرَ تَستحِي» أي: عنِ الإذنِ بالنكاحِ نُطقًا، والجَوابُ بمُقتضَى إعادةِ السُّؤالِ؛ لأنَّ الجَوابَ لا يَتمُّ بدُونِ السؤالِ، كأنه قالَ : «إذا كانَتِ البِكرُ تَستحِي عن الإذنِ بالنكاحِ نُطقًا فإذنُها صُماتُها»، فهذا إشارةٌ إلى أنَّ الحَياءَ علَّةُ وَضعِ النُّطقِ، وقيامُ الصُّماتِ مَقامَ الإذنِ علَّةٌ مَنصوصةٌ، وعلةُ النصِّ لا تتقيَّدُ بمَحلِّ النصِّ، كالطَّوافِ في الهِرَّةِ ونحوِ ذلكَ.

وأمَّا المَعقولُ: فهو أنَّ الحَياءَ في البكرِ مانعٌ مِنْ النطقِ بصَريحِ الإذنِ بالنكاحِ؛ لِمَا فيه مِنْ إظهارِ رَغبتِها في الرِّجالِ؛ لأنَّ النكاحَ سَببُ الوطءِ، والناسُ يَستقبِحونَ ذلكَ منها ويَذمُّونَها ويَنسُبونَها إلى الوَقاحةِ، وذلكَ مانعٌ لها مِنْ النُّطقِ بالإذنِ الصَّريحِ، وهي مُحتاجةٌ إلى النكاحِ، فلو شُرطَ استِنطاقُها وهي لا تَنطقُ عادةً لَفاتَ عليها النكاحُ مع حاجتِها إليهِ، وهذا لا يَجوزُ، والحَياءُ مَوجودٌ في حَقِّ هذه وإنْ كانَتْ ثيِّبًا حَقيقةً؛ لأنَّ زَوالَ بَكارتِها لم تَظهرْ للناسِ، فيَستقبِحونَ منها الإذنَ بالنكاحِ صَريحًا ويَعدُّونَه مِنْ بابِ الوقاحةِ، ولا يَزولُ ذلكَ ما لم يُوجَدِ النكاحُ ويَشتهرِ الزِّنا، فحِينئذَ لا يُستقبَحُ الإظهارُ بالإذنِ ولا يُعَدُّ عَيبًا، بل الامتِناعُ عن الإذنِ عندَ استئْمارِ الوَليِّ يُعَدُّ رُعونةً منها؛ لحُصولِ العلمِ للناسِ بظُهورِ رَغبتِها في الرِّجالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>