لا يَثبتُ لها الخِيارُ إذا بلَغَتْ؛ لِما ثبَتَ في الصَّحيحينِ «أنَّ أبَا بكرٍ ﵁ زوَّجَ ابنتَه عائِشةَ ﵂ وهي صَغيرةٌ»، ولأن رَسولَ الله ﷺ لم يُخيِّرْها، ولو كانَ الخِيارُ ثابتًا لها لخيَّرَها كما خيَّرَ عندَ نُزولِ آيةِ التَّخييرِ حتَّى قالَ لعائِشةَ: «إني أَعرِضُ عليكِ أمرًا فلا تُحدِثِي فيه شَيئًا حتَّى تَستشيرِي أبوَيكِ، ثمَّ تَلا عليها قولَه تعالَى: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (٢٨)﴾ [الأحزاب: ٢٨]، فقالَتْ: أَفِي هذا أَستشيرُ أبوَيَّ؟! أنا أختَارُ اللهَ تعالى ورَسولَه»، ولمَّا لم يُخيِّرْها هُنا دَلَّ أنه لا خِيارَ للصَّغيرةِ إذا بلَغَتْ وقد زوَّجَها أبوها.
قالَ الإمامُ السَّرخسيُّ ﵀: وذكَرَ ابنُ سِماعةَ رَحمَه اللهُ تعالَى ذكَرَ فيه قِياسًا واستِحسانًا، قالَ: في القِياسِ يَثبتُ لها الخِيارُ؛ لأنه عقَدَ عليها عقدًا يَلزمُها تَسليمُ النَّفسِ بحُكمِ ذلكَ العقدِ بعدَ زوالِ ولايةِ الأبِ، فيَثبتُ لها الخيارُ كما لو زوَّجَها أخوها.
ولكنَّا نَقولُ: ترَكْنا القِياسَ للحَديثِ، ولأنَّ الأبَ وافِرُ الشَّفقةِ يَنظرُ لها فوقَ ما يَنظرُ لنفسِه، ومع وُفورِ الشَّفقةِ هو تامُّ الولايةِ؛ فإنَّ وِلايتَه تَعمُّ المالَ والنَّفسَ جَميعًا، فلهذا لا يَثبتُ لها الخِيارُ في عَقدِه، وليسَ النكاحُ كالإجارةِ؛ لأنَّ إجارةَ النَّفسِ ليسَتْ مِنْ المَصالحِ وَضعًا، بل هو كَدٌّ وتعَبٌ، وإنما تَثبتُ الولايةُ فيه على الصغيرِ لِحاجتِه إلى التأدُّبِ وتَعلُّمِ الأعمالِ، وذلك يَزولُ بالبلوغِ، فلهذا أثبَتْنا لها الخيارَ (١).