وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ القُرطبيُّ ﵀: واختَلفُوا في نِكاحِ المُحرمِ.
فقالَ مالِكٌ والشافعيُّ واللَّيثُ والأوزاعِيُّ وأحمدُ: لا يَنكحُ المُحرمُ ولا يُنكِحُ، فإنْ فعَلَ فالنكاحُ باطِلٌ، وهو قولُ عُمرَ بنِ الخطَّابِ وعليٍّ وابنِ عُمرَ وزَيدِ بنِ ثابتٍ.
وقالَ أبو حَنيفةَ: لا بأس بذلكَ.
وسَببُ اختِلافِهم تَعارُضُ النقلِ في هذا البابِ، فمِنها حَديثُ ابنِ عبَّاسٍ «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ نكَحَ مَيمونةَ وهو مُحرِمٌ»، وهو حَديثٌ ثابِتُ النقلِ خرَّجَه أهلُ الصَّحيحِ، وعارَضَه أحادِيثُ كَثيرةٌ عن مَيمونةَ «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ تزوَّجَها وهو حَلالٌ»، قالَ أبو عُمرَ: رُويَتْ عنها مِنْ طُرقٍ شتَّى مِنْ طَريقِ أبي رافعٍ، ومِن طريقِ سُليمانَ بنِ يَسارٍ وهو مَولاها، وعن يَزيدَ بنِ الأصَمِّ، ورَوى مالكٌ أيضًا مِنْ حَديثِ عُثمانَ بنِ عفَّانَ مع هذا أنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: «لا يَنكحُ المُحرِمُ ولا يُنكِحُ ولا يَخطبُ».
فمَن رجَّحَ هذه الأحادِيثَ على حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ قالَ: لا يَنكحُ المُحرِمُ ولا يُنكِحُ، ومَن رجَّحَ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ أو جمَعَ بينَه وبينَ حديثِ عُثمانَ بنِ عفانَ بأنْ حمَلَ النهيَ الوارِدَ في ذلك على الكَراهيةِ قالَ: يَنكحُ ويُنكِحُ، وهذا راجِعٌ إلى تعارُضِ الفعلِ والقولِ، والوجهُ الجَمعُ أو تَغليبُ القولِ (١).