للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشَّافعيةُ قالوا: يَصحُّ تَقديمُ القَبولِ على الإيجابِ؛ لأنه قد وُجِدَ الإيجابُ والقَبولُ، فيَصحُّ كما لو تَقدَّمَ الإيجابُ، فلو قالَ الزوجُ: «زوِّجنِي ابنتَكَ، أو أنكِحْنِي ابنتَكَ» مَثلًا فقالَ الوليُّ: «زوَّجتُكَ إياها، أو أنكَحتُكَ، أو فَعلْتُ» صَحَّ العقدُ ولا يَفتقرُ الزَّوجُ إلى أنْ يقولَ: «قَبلْتُ نكاحَها»؛ لِمَا رُويَ أنَّ الذي تزوَّجَ الواهِبةَ قالَ للنبيِّ : «زوِّجنِيها يا رسولَ اللهِ، فقالَ: زوَّجتُكَها»، ولم يأمُرْه بالقَبولِ بعدَ هذا (١)

إلَّا أنَّ المالِكيةَ قالُوا: يُندَبُ تَقديمُ الإيجابِ على القَبولِ (٢).

وذهَبَ الحَنابلةُ إلى أنه يُشترطُ تَقديمُ الإيجابِ على القَبولِ، فلو تقدَّمَ القَبولُ على الإيجابِ لم يَصحَّ رِوايةً واحدةً، سَواءٌ كانَ بلَفظِ الماضي مثلَ أنْ يقولَ: «تزوَّجتُ ابنتَكَ» فيقولَ: «زوَّجتُكَ»، أو بلَفظِ الطَّلبِ كقَولِه: «زوِّجنِي ابنتَكَ» فيقولَ: «زوَّجتُكَها»؛ لأنَّ القَبولَ إنما يكونُ للإيجابِ، فمتَى وُجدَ قبلَه لم يَكنْ قَبولًا؛ لعَدمِ مَعناه، فلمْ يَصحَّ كما لو تقدَّمَ بلفظِ الاستفهامِ، ولأنه لو تَأخَّرَ عن الإيجابِ بلفظِ الطَّلبِ لم يَصحَّ، فإذا تقدَّمَ كانَ أَولى، كصِيغةِ الاستِفهامِ، ولأنه لو أتَى بالصِّيغةِ


(١) «شرح فتح القدير» (٣/ ١٩٠)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٩، ١٠)، و «البيان» (٩/ ٢٣٤، ٢٣٥)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٦٧٩)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٤٩)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٢٣٦).
(٢) «مواهب الجليل» (٥/ ٥٣)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ١٧٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٣/ ١٤)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٥٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>