الإلزامِ، على أنه لا احتياطَ في التفريقِ بعدَ تَحقُّقِ الزوجيةِ بمُجردِ التلفُّظِ بلفظٍ مُصحَّفٍ أو مُهمَلٍ لا معنَى له، بل الاحتياطُ مِنْ بقاءِ الزوجيةِ حتَّى يَتحقَّقَ المُزيلُ، فلولا أنهم اعتبَرُوا القصدَ بهذا اللفظِ المُصحَّفِ بدونِ وَضعٍ جَديدٍ ولا علاقةٍ لم يُوقِعُوا به الطلاقَ؛ لأنَّ الغلطَ الخارجَ عن الحقيقةِ والمَجازِ لا معنَى له، فعُلِمَ أنهم اعتبَرُوا المعنَى الحقيقيَّ المُرادَ، ولم يَعتبِرُوا تَحريفَ اللَّفظِ، بل قَولُهم:«يقَعُ بها قَضاءً» يُفيدُ أنه يُقضَى عليه بالوُقوعِ وإنْ قالَ: «لم أُرِدْ بها الطَّلاقَ»؛ حَملًا على أنها مِنْ أقسامِ الصَّريحِ، ولِذا قيَّدَ تَصديقَه بالإشهادِ، فبِالأَولى إذا قالَ العامِّيُّ:«جوَّزتُ» بتَقديمِ الجيمِ أو «زوَّزتُ» بالزَّايِ بدَلَ الجيمِ قاصِدًا به معنَى النكاحِ يَصحُّ، ويَدلُّ عليه أيضًا ما قدَّمْناهُ عن «الذَّخيرةِ» مِنْ أنه إذا قالَ: «جَعلْتُ بنتِي هذه لكَ بألفٍ» صَحَّ؛ لأنه أتَى بمعنَى النكاحِ، والعِبرةُ في العُقودِ للمَعاني دونَ الألفاظِ، فهذا التَّعليلُ يَدلُّ على أنَّ كُلَّ ما أفادَ معنَى النكاحِ يُعطَى حُكمَه، لكنْ إذا كانَ بلفظِ نكاحٍ أو تَزويجٍ أو ما وُضِعَ لتَمليكِ العَينِ للحالِ، ولا شَكَّ أنْ لفْظَ «جوَّزتُ، أو زوَّزتُ» لا يَفهمُ منه العاقِدانِ والشُّهودِ إلا أنه عِبارةٌ عن التَّزويجِ، ولا يُقصَدُ منه إلَّا ذلك المعنَى بحَسبِ العُرفِ، وقد صرَّحُوا بأنه يُحمَلُ كَلامُ كلِّ عاقِدٍ وحالِفٍ وواقِفٍ على عُرفِه، وإذا وقَعَ الطلاقُ بالألفاظِ المُصحَّفةِ ولو مِنْ عالِمٍ -كما مَرَّ-، وإنْ لم تَكنْ مُتعارَفةً -كما هو ظاهِرُ إطلاقِهمِ فيها- يَصحُّ النكاحُ مِنْ العَوامِّ بالمُصحَّفةِ المُتعارَفةِ بالأَولى، واللهُ تعالى أعلَمُ.