للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هكذا رَوَى ابنُ رُستُمَ عن مُحمدٍ أنه قالَ: كلُّ لَفظٍ يكونُ في اللغةِ تَمليكًا للرَّقبةِ فهو في الحُرَّةِ نكاحٌ.

وحُكيَ عن الكَرخيِّ أنه يَنعقدُ بلفظِ الإجارةِ؛ لقولِه تعالَى: ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾، سَمَّى اللهُ تعالَى المهرَ أجرًا، ولا أجْرَ إلَّا بالإجارةِ، فلو لم تَكنِ الإجارةُ نِكاحًا لم يَكنِ المَهرُ أجرًا.

وجْهُ قَولِ العامَّةِ أنَّ الإجارةَ عَقدٌ مُؤقَّتٌ، بدَليلِ أنَّ التأبيدَ يُبطلُها، والنكاحُ عَقدٌ مُؤبَّدٌ، بدليلِ أنَّ التَّوقيتَ يُبطلُه، وانعِقادُ العَقدِ بلَفظٍ يَتضمَّنُ المنعَ مِنْ الانعقادِ مُمتنِعٌ، ولأنَّ الإجارةَ تَمليكُ المَنفعةِ، ومَنافعُ البُضعِ في حُكمِ الأجزَاءِ والأعيانِ، فكيفَ يَثبتُ مِلكُ العَينِ بتَمليكِ المَنفعةِ؟

ولا يَنعقدُ بلَفظِ الإعارةِ؛ لأنَّ الإعارةَ إنْ كانَتْ إباحةَ المَنفعةِ فالنكاحُ لا يَنعقدُ بلفظِ الإباحةِ؛ لانعدامِ معنَى التَّمليكِ أصلًا، وإنْ كانَتْ تَمليكَ المُتعةِ فالنكاحُ لا يَنعقدُ إلَّا بلفظٍ مَوضوعٍ لتَمليكِ الرَّقبةِ، ولم يُوجَدْ.

واختَلفَ المَشايخُ في لَفظِ القَرضِ، قالَ بعضُهم: لا يَنعقدُ؛ لأنه في معنَى الإعارةِ، وقالَ بعضُهم: يَنعقدُ؛ لأنه يَثبتُ به المِلكُ في العَينِ؛ لأنَّ المُستقرَضَ يَصيرُ مِلكًا للمُستقرِضِ.

وكذا اختَلفوا في لَفظِ السَّلَمِ، قالَ بعضُهم: لا يَنعقدُ؛ لأنَّ السَّلَمَ في الحَيوانِ لا يَصحُّ، وقالَ بعضُهم: يَنعقدُ؛ لأنه يَثبتُ به مِلكُ الرَّقبةِ، والسَّلمُ في الحَيوانِ يَنعقدُ عندَنا، حتَّى لو اتَّصلَ به القَبضُ يُعَدُّ المِلكُ مِلكًا فاسِدًا، لكنْ ليسَ كُلُّ ما يُفسِدُ البَيعَ يُفسدُ النكاحَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>