للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فحاصِلُ الأمرِ ومُلخَّصُه أنه لا بُدَّ في كِناياتِ النكاحِ مِنْ النيَّةِ مع قَرينةٍ، أو تَصديقِ القابِلِ للمُوجِبِ وفَهمِ الشُّهودِ المُرادَ أو إعلامِهم به (١).

وذهَبَ المالِكيةُ في قَولٍ اختارَه ابنُ رُشدٍ وغيرُه والشَّافعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ النكاحَ لا يَنعقدُ بلفظِ البَيعِ، ولا يَنعقدُ إلا بلَفظِ الإنكاحِ أو التَّزويجِ فقط أو ما اشتُقَّ منهُما؛ لأنه لَفظٌ يَنعقدُ به غيرُ النكاحِ، فلمْ يَنعقدْ به النكاحُ كلَفظِ الإجارةِ والإباحةِ والإحلالِ؛ ولأنه ليسَ بصَريحٍ في النِّكاحِ، فلا يَنعقدُ به، كالَّذي ذكَرْنا، وهذا لأنَّ الشَّهادةَ شَرطٌ في النكاحِ، والكِنايةُ إنَّما تُعلَمُ بالنيةِ، ولا يُمكِنُ الشَّهادةُ على النيةِ؛ لعَدمِ اطِّلاعِهم عليها، فيَجبُ أنْ لا يَنعقدَ.

وقد قالَ النبيُّ : «اتَّقُوا اللهَ في النِّساءِ، فإنَّكُم أخَذتُموهُنَّ بأمانِ اللهِ، واستَحلَلتُم فُروجَهنَّ بكَلمةِ اللهِ» (٢)، وكَلِمتُه الَّتي أحَلَّ بها الفُروجَ في كتابِه الكريمِ لَفظُ النِّكاحِ والتَّزويجِ فقط، قالَ اللهُ تعالَى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [النساء: ٣]، وقالَ تعالَى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾، وبقَولِه تعالَى: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [لقمان: ٣٧]، ولم يُذكَرْ في القُرآنِ سِواهُما، فوجَبَ الوُقوفُ معهُما تَعبُّدًا واحتِياطًا؛ لأنَّ النكاحَ يَنزَعُ إلى العِباداتِ لوُرودِ النَّدبِ فيه، والأذكارُ في العِباداتِ تُتَلقَّى مِنْ الشَّرعِ، والشَّرعُ إنَّما ورَدَ بلَفظَي النكاحِ والتَّزويجِ.


(١) «شرح فتح القدير» (٣/ ١٩٥)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ١٨).
(٢) رواه مسلم (١٢١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>