للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأحَلَّ اللهُ التَّعريضَ بالخِطبةِ، وفي إحلالِه إيَّاها تَحريمُ التَّصريحِ، فإنَّ اللهَ ﷿ فرَّقَ بينَ حُكمِ التَّصريحِ وبينَ حُكمِ التَّعريضِ تَفريقًا لا يَختلُّ على ذِي حِسٍّ سَليمٍ، وإذا كانَا شَيئينِ مُختلفينِ ليسَ لأحَدِهما حُكمُ الآخَرِ فلا يَجوزُ البتَّةَ أنْ يُجعلَ في أحَدِهما ما جُعلَ في الآخَرِ بغيرِ نَصٍّ ولا إجماعٍ.

ولأنَّ اللهَ لمَّا أباحَ التَّعريضَ دَلَّ على أنَّ التَّصريحَ مُحرَّمٌ، ولأنَّ التَّصريحَ لا يَحتملُ غيرَ النكاحِ، فلا يُؤمَنْ أنْ يَحملَها الحِرصُ على النكاحِ فتُخبِرَ بانقضاءِ العدَّةِ؛ لأنَّ ما في المَرأةِ مِنْ غلَبةِ الشَّهوةِ والرَّغبةِ في الأزواجِ ما قد يَدعُوها إلى الإخبارِ بانقضاءِ عدَّتِها كاذِبةً، فلذلكَ حرَّمَ اللهُ تعالَى التَّصريحَ بخِطبتِها.

قالَ الإمامُ ابنُ القطَّانِ الفاسِيُّ : واتَّفقُوا على أنَّ التَّصريحَ بالخِطبةِ في العدَّةِ حَرامٌ (١).

وقالَ القُرطبيُّ : قالَ ابنُ عَطيةَ: أجمَعَتِ الأمَّةُ على أنَّ الكَلامَ معَ المعتدَّةِ بما هو نَصٌّ في تزوُّجِها وتَنبيهٌ عليهِ لا يَجوزُ، وكذلكَ أجمَعَتِ الأمَّةُ على أنَّ الكلامَ معَها بما هو رفَثٌ وذِكرُ جِماعٍ أو تحريضٌ عليهِ لا يَجوزُ، وكذلكَ ما أشبَهَه، وجوزَ ما عدا ذلكَ (٢).


(١) «الإقناع في مسائل الإجماع» (٣/ ١١٥٢) رقم (٢١٢١).
(٢) «تفسير القرطبي» (٣/ ١٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>