فلا يُصادفُ الثاني ما يَنضمُّ إليهِ، فوجَبَ كونُه مَجازًا في العَقدِ (١).
وذهَبَ بعضُ المالِكيةِ والشَّافعيةُ في وَجهٍ وبعضُ الحَنابلةِ كالقاضي أبي يَعلَى إلى أنَّ النكاحَ مشتَرَكٌ بينَهُما، فهو حَقيقةٌ في العَقدِ والوَطءِ جميعًا بالاشتِراكِ كالعَينِ، وحُمِلَ على هذا النَّهيُ في قولِه تعالَى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ﴾ [البقرة: ٢٢١] عنِ العقدِ وعنِ الوطءِ بمِلكِ اليَمينِ معًا على استِعمالِ المُشتَرَكِ في مَعنيَيهِ.
قال الحافظُ ابنُ حجَرٍ ﵀: النِّكاحُ في الشَّرعِ حَقيقةٌ في العَقدِ مَجازٌ في الوطءِ على الصَّحيحِ، والحُجةُ في ذلكَ كثرةُ وُرودهِ في الكتابِ والسَّنةِ للعَقدِ، حتَّى قيلَ: إنهُ لم يَرِدْ في القُرآنِ إلَّا للعقدِ ولا يَرِدُ مثلُ قولِه: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٠]؛ لأنَّ شرْطَ الوطءِ في التَّحليلِ إنَّما ثبَتَ بالسُّنةِ، وإلَّا فالعقدُ لا بدَّ منهُ؛ لأنَّ قولَه: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ﴾ معناهُ: حتَّى تَتزوَّجَ، أي يَعقدَ عليها، ومَفهومُه أنَّ هذا كافٍ بمُجرَّدِه، لكنْ بيَّنتِ السُّنةُ أنه لا عِبرةَ بمَفهومِ الغايةِ، وأنهُ لا بدَّ بعدَ العقدِ مِنْ ذَوقِ العُسيلةِ، كما أنهُ لا بدَّ بعدَ ذلكَ مِنْ التَّطليقِ ثمَّ العِدَّةِ.
(١) «شرح فتح القدير» (٣/ ١٨٦)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ٢٦٤)، و «الفروق» (٣/ ٢١٣)، و «تفسير القرطبي» (١٤/ ٢٠٣)، و «مواهب الجليل» (٥/ ٢٢)، و «شرح صحيح مسلم» (٩/ ١٧٢)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٧)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٢٠٧)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٣١٧)، و «المبدع» (٧/ ٣)، و «الإنصاف» (٨/ ٤، ٥).