للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ فيه مَنفَعةً له، ونَظيرُ الزِّيادةِ إذا جدَّدَ العَقدَ بأكثَرَ من الثَّمنِ الأولِ لم يَلزَمِ الشَّفيعَ، حتى كانَ له أنْ يأخُذَها بالثَّمنِ الأولِ (١).

وقالَ المالِكيةُ: إذا حَطَّ البائِعُ عن المُبتاعِ بعضَ الثَّمنِ بعدَ لُزومِ العَقدِ نُظِر، فإنْ كانَ يَسيرًا يُشبهُ أنْ يَكونَ الباقي ثَمنًا للشِّقصِ حُطَّ عن الشَّفيعِ، وإنْ كانَ شَيئًا كَثيرًا لا يُبتاعُ بمِثلِه، كانَ ذلك هبةً للمُشتَري ولا يُحَطُّ عن الشَّفيعِ، وذلك لأنَّ الذي يَلزمُ الشَّفيعَ القَدرُ الذي بذَلَ المُشتَري في المُعاوَضةِ عن الشِّقصِ دونَ ما زادَ عليه، والذي بُذلَ هو ما بَقيَ بعدَ الحَطِّ، فوجَبَ أنْ يَكونَ ذلك هو الذي يَلزمُ الشَّفيعَ، ولا يَدخلُ عليه الحَطُّ الكَثيرُ الخارجُ على العادةِ؛ لأنَّ لذلك وَجهًا حُملَ عليه، وهو الهِبةُ دونَ قَصدِ المُشاحةِ في البَيعِ، ولأنَّ ذلك كأنَّه فَسخٌ للعَقدِ الأولِ بالعِوضِ الثاني.

ودَليلُنا على أنَّ الحَطَّ الكَثيرَ لا يَجبُ حَطُّه عن الشَّفيعِ أنَّه هِبةٌ فلم يَسقُطْ بها عن الشَّفيعِ فألزَمَه، كما لو وهَبَ له الثَّمنَ كلَّه بلَفظِ الهِبةِ، ولا يُشبهُ اليَسيرَ؛ لأنَّ الباقيَ لا يَخرجُ عن أنْ يَكونَ ثَمنًا، فيُحملُ الحَطُّ على أنَّه فَسخٌ للعَقدِ وبَيعٌ مُستأنَفٌ (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٥/ ٢٧)، و «الهداية» (٤/ ٣١)، و «الاختيار» (٢/ ٥٦)، و «العناية» (١٣/ ٤٦٦)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٤٠٦، ٤٠٧)، و «اللباب» (١/ ٥١٥).
(٢) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ١٥٣، ١٥٤)، رقم (١٠٠٨)، و «البيان والتحصيل» (١٢/ ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>