لأنَّ الطَّريقَ العامَّ يُزيلُ الضَّررَ؛ لأنَّ سُوءَ المُجاوَرةِ لا يَتحقَّقُ إذا لم يَكُنْ مِلكُ أَحدِهما مُتصِلًا بمِلكِ الآخَرِ، ولا شَركةَ بينَهما في حُقوقِ المِلكِ.
وحَقُّ الأخذِ بالشُّفعةِ يَثبُتُ للجارِ المُلاصِقِ ليَترفَّقَ به من حيثُ تَوسُّعُ المِلكِ والمَرافقِ، وهذا في الجارِ المُلاصِقِ يَتحقَّقُ لإِمكانِ جَعلِ إِحدى الدارَينِ من مَرافقِ الدارِ الأُخرى، ولا يَتحقَّقُ ذلك في الجارِ المُقابِلِ؛ لعَدمِ إِمكانِ جَعلِ إِحدى الدارَينِ من مَرافقِ الدارِ الأُخرى بطَريقٍ نافِذٍ بينَهما.
لكنْ تَثبُتُ الشُّفعةُ للجارِ المُقابِلِ في الطَّريقِ الخاصِّ إذا كانَت الدُّورُ كلُّها في سِكةٍ غيرِ نافِذةٍ، تَثبُتُ الشُّفعةُ للكلِّ ليسَ لأنَّه مُقابِلٌ بل لأنَّه خَليطٌ، ولإِمكانِ جَعلِ بعضِها من مَرافِقِ بعضٍ، بأنْ تُجعَلَ الدُّورُ كلُّها دارًا واحِدةً.
ثم لا بدَّ أنْ يَكونَ الطَّريقُ أو الشِّربُ خاصًّا حتى يَستحِقَّ الشُّفعةَ بالشَّركةِ؛ فالطَّريقُ الخاصُّ: ألَّا يَكونَ نافِذًا، والشِّربُ الخاصُّ: ألَّا يَكونَ تَجري فيه السُّفنُ، وما تَجري فيه السُّفنُ فهو عامٌّ، وهذا عندَ أَبي حَنيفةَ ومُحمدٍ، وعن أَبي يُوسفَ: الخاصُّ أنْ يَكونَ نَهرًا ما يَسقي منه قَراحانِ أو ثَلاثةٌ، وما زادَ على ذلك فهو عامٌّ، فإنْ كانَت هناك سِكةٌ غيرُ نافِذةٍ يَتشعَّبُ منها سِكةٌ غيرُ نافِذةٍ وهي مُستطيلةٌ فبِيعَت دارٌ في السُّفلَى فلأهلِها الشُّفعةُ خاصةً دونَ أهلِ العُليا، وإنْ بِيعَت في العُليا فلأهلِ السِّكتَينِ، ولو كانَ هناك نَهرٌ صَغيرٌ يأخُذُ منه نَهرٌ أصغَرُ منه فهو على قياسِ الطَّريقِ. اه. لكنْ قالَ شَيخُنا: وعامَّةُ المَشايخِ على أنَّ الشُّركاءَ في النَّهرِ إنْ كانوا يُحصَونَ فصَغيرٌ، وإلا فكَبيرٌ (١).
(١) «المبسوط» (١٤/ ٩٤، ٩٦)، و «الهداية» (٤/ ٢٥)، و «العناية» (١٣/ ٤٢٧)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٨٢)، و «اللباب» (١/ ٥٠٢)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٨٩)، و «درر الحكام» (٢/ ٦٧٧).