للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ القَيمِ بعدَ أنْ ذكَرَ هذه الأَقوالَ التي حَكاها شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ: والخامِسُ: أنَّه إنْ كانَ سَببُ الحَقِّ ظاهِرًا كالنِّكاحِ والقَرابةِ وحَقِّ الضَّيفِ جازَ للمُستحِقِّ الأخْذُ بقَدرِ حَقِّه، كما أذِنَ فيه النَّبيُّ لهِندَ أنْ تأخُذَ من مالِ أَبي سُفيانَ ما يَكفيها ويَكفي بَنِيها، وكما أذِنَ لمَن نزَلَ بقَومٍ ولم يُضيِّفوه أنْ يُعقِبَهم في مالِهم بمِثلِ قِراه، كما في الصَّحيحَينِ عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ قالَ: قُلتُ للنَّبيِّ: إنَّك تَبعثُنا فنَنزلُ بقَومٍ لا يَقرونَنا، فما تَرى؟ فقالَ لنا: «إنْ نَزَلتُم بقَومٍ فأمَروا لكم بما يَنبَغي للضَّيفِ فاقبَلوا، وإنْ لم يَفعَلوا فخُذوا منهم حَقَّ الضَّيفِ الذي يَنبَغي لهم»، وفي المُسندِ من حَديثِ المِقدامِ أَبي كَريمةَ أنَّه سمِعَ النَّبيَّ يَقولُ: «مَنْ نزَلَ بقَومٍ فعليهم أنْ يَقروه، فإنْ لم يَقروه فله أنْ يُعقِبَهم بمِثلِ قِراه».

وفي المُسندِ لأَحمدَ أيضًا من حَديثِ أَبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ تَعالى عنه قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ : «أيُّما ضَيفٍ نزَلَ بقَومٍ فأصبَحَ الضَّيفُ مَحرومًا فله أنْ يأخُذَ بقَدرِ قِراه ولا حَرجَ عليه».

وإنْ كانَ سَببُ الحَقِّ خَفيًّا بحيث يُتَّهمُ بالأخْذِ ويُنسَبُ إلى الخِيانةِ ظاهِرًا لم يَكُنْ له الأخْذُ وتَعريضُ نَفسِه للتُّهمةِ والخِيانةِ، وإنْ كانَ في الباطِنِ آخِذًا حَقَّه، كما أنَّه ليسَ له أنْ يَتعرَّضَ للتُّهمةِ التي تُسلِّطُ الناسَ على عِرضِه، وإنِ ادَّعى أنَّه مُحقٌّ غيرُ مُتَّهمٍ، وهذا القَولُ أصَحُّ الأَقوالِ وأَسدُّها وأَوفَقُها لقَواعدِ الشَّريعةِ وأُصولِها، وبه تَجتمِعُ الأَحاديثُ (١).


(١) «إغاثة اللهفان» (٢/ ٧٥، ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>