للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَرئَ منه الغاصِبُ؛ لأنَّه قد سلَّمَ له بالأكلِ واللُّبسِ، فلو ضمِنَ الغاصِبُ لسلِمَ له العِوضُ والمُعوَّضُ، وهذا لا يَصحُّ، قالَ الحَداديُّ: ويَنبَغي على قَولِ أَبي يُوسفَ ومُحمدٍ أنَّه إذا غصَبَ حِنطةً فطحَنَها وأطعَمَها المَغصوبَ منه ألَّا يَبرأَ؛ لأنَّه قد ملَكَها بالطَّحنِ، فبانَ أنَّه أطعَمَ مِلكَ نَفسِه فيَكونُ مُتبَرِّعًا بذلك.

وفي البَزدَويِّ الكَبيرِ: مَنْ غصَبَ طَعامًا فأطعَمَه المالِكَ من غيرِ أنْ يَعلَمَه بَرئَ منه عندَنا؛ لأنَّه أَداءٌ حَقيقةً، فإنَّ عَينَ مالِه وصَلَ إليه، فجَهلُه به لا يُبطِلُ قَبضَه له، أي: جَهلُه بأنَّه مِلكُه لا يُبطِلُ حُكمًا شَرعيًّا، ألَا تَرى أنَّ مَنْ اشتَرى عَبدًا فقالَ البائِعُ للمُشتَري: «أعتِقْ عَبدي هذا»، وأَشارَ إلى المَبيعِ فأعتَقَه المُشتَري ولم يَعلَمْ بأنَّه عَبدُه صَحَّ إِعتاقُه، ويُجعَلُ قَبضًا ويَلزمُه الثَّمنُ؛ لأنَّه أعتَقَ مِلكَه، وجَهلُه بأنَّه مِلكُه لا يَمنعُ صِحةَ ما وُجدَ منه، كذا هذا (١).

وقالَ المالِكيةُ: مَنْ غصَبَ طَعامًا فقدَّمَه لرَبِّه ضِيافةً فأكَلَه فإنَّ الغاصِبَ يَبرأُ من ذلك، وسَواءٌ علِمَ مالِكُه أنَّه له أو لا؛ لأنَّ رَبَّه باشَرَ إِتلافَه، والمُباشِرُ مُقدَّمٌ على المُتسبِّبِ إذا ضعُفَ السَّببُ كما مَرَّ، بل لو أكرَهَ الغاصِبُ رَبَّه على أَكلِه لبَرِئَ الغاصِبُ.

وكذلك لو دخَلَ المالِكُ دارَ الغاصِبِ فأكَلَه بغيرِ إِذنِ الغاصِبِ لبَرِئَ الغاصِبُ، ثم إنَّ هذه المَسألةَ مُقيَّدةٌ بما إذا كانَ ذلك الطَّعامُ يُناسِبُ حالَ


(١) «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٤٠، ١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>