وقالَ المالِكيةُ: مَنْ اشتَرى من الغاصِبِ ما غصَبَه وهو غيرُ عالِمٍ بالغَصبِ فأتلَفَه عَمدًا كما لو أكَلَ الطَّعامَ أو لبِسَ الثَّوبَ حتى أَبلاه فإنَّه يَضمَنُ لمالِكِه مِثلَ المِثليِّ وقيمةَ المُقوَّمِ يَومَ وَضْعِ يَدِه عليه.
لكنْ إذا هلَكَ عندَه ما اشتَراه من الغاصِبِ بأمرٍ سَماويٍّ -أي: لا دَخلَ لأحدٍ فيه- فإنَّه لا ضَمانَ عليه للمالِكِ، وكذلك لا شَيءَ عليه من الغَلَّةِ وإلا فهو ضامِنٌ للغاصِبِ.
وأمَّا إنْ جَنى على المَغصوبِ بالخَطأِ بعدَما اشتَراه من الغاصِبِ ولم يَعلَمْ بالغَصبِ جِنايةَ خَطأٍ وأتلَفَه أو عيَّبَه، هل يَضمَنُ في التَّلفِ قيمةَ المُقوَّمِ ومِثلَ المِثليِّ ويَصيرُ كالعَمدِ لأنَّهما في أَموالِ الناسِ سَواءٌ، فيَكونُ غَريمًا ثانيًا للمالِكِ، أو لا ضَمانَ في الجِنايةِ الخَطأِ فهي كالسَّماويِّ، أي: فلا يَكونُ غَريمًا ثانيًا للمالِكِ؟ تَأويلانِ في المَذهبِ.
أمَّا لو علِمَ المُشتَري بأنَّ بائِعَه غاصِبٌ فإنَّ حُكمَه حُكمُ الغاصِبِ، للمالِكِ أنْ يَتبَعَ أيَّهما شاءَ ويَردَّ الغَلةَ وغيرَ ذلك، فإنْ رجَعَ على الغاصِبِ لا يَرجعُ على المُشتَري، وإنْ رجَعَ على المُشتَري يَرجعُ على الغاصِبِ بثَمنِه (١).
وقالَ الشافِعيةُ: الأَيدي المُترتِّبةُ على يَدِ الغاصِبِ أَيدي ضَمانٍ، فإذا باعَ الغاصِبُ الشَّيءَ المَغصوبَ لعالِمٍ بالغَصبِ فتلِفَ عندَه فالمالِكُ مُخيَّرٌ
(١) «التاج والإكليل» (٤/ ٣٢٤، ٣٢٥)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ١٤٦، ١٤٧)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (١٨٢، ١٨٣)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٤٠٤)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٨/ ٤٢٢، ٤٢٣).