للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ القاضي عِياضٌ : اعلَم أنَّ الأذانَ كَلامٌ جامِعٌ لِعَقيدةِ الإيمانِ، مُشتمِلٌ على نَوعَيه مِنْ العَقليَّاتِ والسَّمعياتِ: فأوَّلُه إثباتُ الذَّاتِ وما يَستَحِقُّه مِنْ الكَمالِ والتَّنزيهِ عن أضدادِها.

وذلك بقولِه: «اللهُ أكبَرُ»، وهذه اللَّفظةُ مع اختِصارِ لَفظِها دالَّةٌ على ما ذكَرناه، ثم صرَّح بإثباتِ الوَحدانيةِ ونَفيِ ضِدِّها مِنْ الشَّرِكةِ المُستِحيلةِ في حقِّه ، وهذه عُمدةُ الإيمانِ والتَّوحيدِ المُقدَّمةُ على كلِّ وظائِفِ الدِّينِ. ثم صرَّح بإثباتِ النُّبُوَّةِ والشَّهادةِ بالوَحدانيَّةِ، ويَكونُ مَوضِعُها بعدَ التَّوحِيدِ؛ لأنَّها من بابِ الأفعالِ الجائِزةِ الوُقوعِ، وتلك المُقدِّماتُ مِنْ بابِ الواجِباتِ، وبعدَ هذه القَواعِدِ كَمُلتِ العَقائِدُ العَقليَّاتُ فيما يجبُ ويَستَحيلُ ويَجوزُ في حقِّه . ثم دَعا إلى ما دَعاهم إليه مِنْ العِباداتِ، فدَعا إلى الصَّلاةِ وجعلَها عَقِبَ إثباتِ النُّبوَّةِ؛ لأنَّ مَعرِفةَ وُجوبِها مِنْ جِهةِ النَّبيِّ لا مِنْ جِهةِ العَقلِ، ثم دَعا إلى الفَلاحِ، وهو الفَوزُ والبَقاءُ في النَّعيمِ المُقيمِ، وفيه إشعارٌ بأُمورِ الآخِرةِ مِنْ البَعثِ والجَزاءِ، وهي آخرُ عقائِدِ تَراجِمِ الإسلامِ، ثم قَرَّرَ ذلك بإقامةِ الصَّلاةِ؛ لِلإعلامِ بالشُّروعِ فيها، وهو مُتَضَمِّنٌ لِتأكيدِ الإيمانِ وتَكرارِ ذكرِه عندَ الشُّروعِ في العِبادةِ بالقَلبِ واللِّسانِ، ولِيَدخُلَ المُصلِّي فيها على بَيِّنَةٍ مِنْ أمرِه وبَصيرةٍ مِنْ إيمانِه، ويَستَشعِرَ عَظيمَ ما دخلَ فيه، وعَظَمةَ حقِّ مَنْ يَعبُدُه، وجَزيلَ ثَوابِه. إلى هنا انتَهى كَلامُه .

قالَ النَّوويُّ : وهو مِنْ النَّفائِسِ الجَليلةِ، واللهُ أعلَمُ (١).


(١) «المجموع» (٤/ ١٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>