للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقالَ الحَنفيةُ: الغَصبُ عِبارةٌ عن أَخذِ مالٍ مُتقوَّمٍ مُحتَرمٍ قابِلٍ للنَّقلِ بغيرِ إِذنِ المالكِ على وَجهٍ يُزيلُ يدَه عنه.

واشتَرطَ أَبو حَنيفةَ وأَبو يُوسفَ كَونَ المَغصوبِ قابِلًا للنَّقلِ والتَّحويلِ، على وَجهٍ يَتضمَّنُ تَفويتَ يَدِ المالِكِ، ولم يَشتَرطْ ذلك مُحمدٌ، ويَظهرُ في غَصبِ العَقارِ على ما سيَأتي بَيانُه، فلو استَخدمَ مَملوكَ غيرِه بغيرِ أمرِه، أو أرسَلَه في حاجَتِه، أو ركِبَ دابَّتَه أو حمَلَ عليها أو ساقَها فهلَكَت كانَ غاصِبًا؛ لأنَّه أثبَتَ اليَدَ المُبطِلةَ المُفوِّتةَ، ولو جلَسَ على بِساطِ الغيرِ أو هبَّت الرِّيحُ بثَوبِ إِنسانٍ فألقَتْه في حِجرِه لا يَكونُ غاصِبًا ما لم يَنقُلْه أو يُمسِكْه (١).

وقالَ المالِكيةُ: أخْذُ مالِ غيرٍ، مَنفعةً، قَهرًا تَعدِّيًا بلا حَرابةً.

ف «أخْذُ»: جِنسٌ يَشمَلُ الغَصبَ وغيرَه، كأخْذِ إِنسانٍ مالَه من مُودَعٍ أو مَدينٍ أو غيرِ ذلك، والمُتبادَرُ من المالِ الذَّواتُ، فخرَجَ التَّعدِّي، وهو الانتِفاعُ بمِلكِ الغيرِ بغيرِ حَقٍّ دونَ قَصدِ تَملُّكِ الرَّقبةِ، كسُكنى دارٍ ورُكوبِ دابةٍ مَثلًا، أو هو إِتلافُ المُتمَلَّكِ أو بَعضِه دونَ قَصدِ تَملُّكِه.

وقَولُنا: «قَهرًا» حالٌ مُقارِنةٌ لعامِلِها خرَجَ بها السَّرقةُ ونَحوُها؛ إذْ لا قَهرَ حالَ الأخْذِ، وإنْ حصَلَ القَهرُ بعدَه، كما خرَجَ المَأخوذُ اختِيارًا كعاريةٍ وسَلفٍ وهِبةٍ.


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ١٤٣)، و «الاختيار» (٣/ ٧٣)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١١٦، ١١٧)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٣٦)، و «اللباب» (١/ ٦٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>