فأنفَقَ عليها فاعترَفَها ربُّها، أيَكونُ له نَفقتُها التي أنفَقَ عليها في قَولِ مالِكٍ؟ (قالَ): قالَ مالِكٌ في «المَتاع»: يَلتقطُه الرَّجلُ فيَحملُه إلى مَوضعٍ مِنْ المَواضعِ ليُعرِّفَه فيُعرِّفُه ربُّه، قالَ مالِكٌ: أَراه لصاحِبِه، ويَدفعُ إلى هذا الكِراءَ الذي حمَلَه له، فكذلك الغَنمُ والبَقرُ إذا التَقطَها رَجلٌ فأنفَقَ عليها ثُم أَتى ربُّها، فإنَّه يَغرمُ ما أنفَقَ عليها المُلتقطُ، إلا أنْ يَشاءَ ربُّها أنْ يُسلمَها. (قلتُ) أرَأيتَ ما أنفَقَ هذا المُلتقِطُ على هذه الأَشياءِ التي التقَطَها بغيرَ أَمرِ السُّلطانِ، أيَكونُ ذلك على ربِّ هذه الأَشياءِ إنْ أَرادَ أَخذَها في قولِ مالِكٍ؟ (قالَ): نَعم، إذا أَرادَ صاحِبُها أَخذَها لَم يَكنْ له أنْ يَأخذَها حتى يَغرمَ لهذا ما أنفَقَ عليها بأَمرِ السُّلطانِ أو بغيرِ أَمرِ السُّلطانِ (١).
وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه إذا أنفَقَ على اللُّقطةِ فليسَ له حقُّ الرُّجوعِ إلا إذا استَأذنَ الحاكِمُ.
وقالَ الحَنفيةُ: إذا أنفَقَ المُلتقِطُ على اللُّقطةِ بغيرِ إِذنِ الحاكِمِ فهو مُتبَرِّعٌ؛ لقُصورِ وِلايتِه عن ذِمةِ المالِكِ، وإنْ أنفَقَ بأَمرِه كانَ ذلك دَينًا على صاحِبِها؛ لأنَّ للقاضِي وِلايةً في مالِ الغائِبِ نظرًا له، وقد يَكونُ النَّظرُ في الإِنفاقِ.
وإذا رفَعَ ذلك إلى الحاكِمِ نظَرَ فيه، فإنْ كانَ للبَهيمةِ مَنفعةٌ آجرَها وأنفَقَ عليها مِنْ أُجرتِها؛ لأنَّ فيه إِبقاءَ العَينِ على مِلكِه مِنْ غيرِ إِلزامِ الدَّينِ عليه.