للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك فهل له أنْ يَرجعَ بالنَّفقةِ؟ على رِوايتينِ عندَ الحَنابِلةِ:

قالَ ابنُ قُدامةَ: إِحداهما: يَرجعُ به، نصَّ عليه في رِوايةِ المَروذيِّ في طَيرةِ مَنٍّ أفرَخَت عندَ قومٍ، فقَضى أنَّ الفِراخَ لصاحِبِ الطَّيرةِ، ويَرجعُ بالعَلفِ إذا لَم يَكنْ مُتطوِّعًا، وقَضى عُمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ فيمَن وجَدَ ضالةً فأنفَقَ عليها وجاءَ ربُّها بأنَّه يَغرُمُ له ما أنفَقَ، وذلك لأنَّه أنفَقَ على اللُّقطةِ لحِفظِها فكانَ مِنْ مالِ صاحِبِها كمُؤنةِ الرُّطبِ والعِنبِ.

والرِوايةُ الثانيةُ: لا يَرجعُ بشيءٍ، وهو قَولُ الشَّعبيِّ والشافِعيِّ، ولَم يُعجِبْ الشَّعبيَّ قَضاءُ عُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ؛ لأنَّه أنفَقَ على مالِ غيرِه بغيرِ إِذنِه فلَم يَرجعْ، كما لو بَنى دارَه، ويُفارقُ العِنبَ والرُّطبَ، فإنَّه ربَّما كانَ تَجفيفُه والإِنفاقُ عليه في ذلك أَحظَّ لصاحِبِه؛ لأنَّ النَّفقةَ لا تَتكررُ والحَيوانُ يَتكررُ الإِنفاقُ عليه، فربَّما استَغرقَ قِيمتَه فكانَ بَيعُه أو أَكلُه أَحظَّ، فلذلك لَم يَحتسبُ المُنفِقُ عليها بما أَنْفَقَ (١).


(١) «المغني» (٦/ ٢٩)، وقالَ ابنُ القيمِ في «زاد المعاد»: الشاةُ إذا لم يَأتِ صاحبُها فهي ملكُ المُلتقطِ، واستَدلَّ بهذا بعضُ أَصحابِنا على أن الشاةَ ونحوَها مما يَجوزُ التِقاطُه يُخيرُ المُلتقطُ بينَ أكلِه في الحالِ وعليه قيمتُه وبينَ بيعِه وحفظِ ثمنِه وبينَ تركِه والإنفاقِ عليه من مالِه، وهل يَرجعُ به؟ على وَجهينِ؛ لأنه جعَلَها له، إلا أن يَظهرَ صاحبُها، وإذا كانَت له خُيِّر بينَ هذه الثلاثةِ، فإذا ظهَرَ صاحبُها دفَعها إليه أو قيمتَها، وأما مُتقدِّمو أَصحابِ أحمدَ فعلى خلافِ هذا، قالَ أبو الحسينِ: لا يَتصرفُ فيها قبلَ الحولِ روايةً واحدةً، قالَ: وإن قُلنا يَأخذُ ما لا يَستقلُّ بنفسِه كالغنمِ فإنه لا يَتصرفُ بأكلٍ ولا غيرِه روايةً واحدةً، وكذلك قالَ ابنُ عَقيلٍ، ونصَّ أحمدُ في روايةِ أَبي =

<<  <  ج: ص:  >  >>