للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ رشدٍ : وأمَّا ضالَّةُ الغَنمِ فإنَّ العُلماءَ اتَّفقُوا على أنَّ لواجِدِ ضالةِّ الغَنمِ في المَكانِ القَفرِ البَعيدِ مِنْ العُمرانِ أنْ يَأكلَها؛ لقَولِه في الشَّاةِ: «هي لك أو لأَخيك أو للذِّئبِ» (١).

واختلَفُوا هل يَضمنُ قِيمتَها لصاحِبِها أم لا؟ فقالَ جُمهورُ العُلماءِ إنَّه يَضمنُ قِيمتَها، وقالَ مالِكٌ في أَشهرِ الأَقاويلِ عنه إنَّه لا يَضمنُ.

وسَببُ الخِلافِ مُعارضةُ الظاهِرِ كما قُلنا للأَصلِ المَعلومِ مِنْ الشَّريعةِ، إلا أنَّ مالِكًا هنا غلَّبَ الظاهِرَ فجَرى على حُكمِ الظاهِرِ، ولَم يَجزْ كذلك التَّصرُفُ فيما وجَبَ تَعريفُه بعدَ العامِ لقُوةِ اللَّفظِ ههنا.

وعنه رِوايةٌ أُخرى أنَّه يَضمنُ، وكذلك كلُّ طَعامٍ لا يَبقى إذا خُشيَ عليه التَّلفُ إنْ ترَكَه (٢).

قالَ ابنُ بَطالٍ: والحُجةُ لمالِكٍ أنَّ النَّبيَّ أذِنَ في أَكلِ الشَّاةِ، وأَقامَ الذي وجَدَها مقامَ ربِّها، وقالَ: «لك أو لأَخيك أو للذِّئبِ» فإذا أكَلَها بإِذنِ النَّبيِّ لَم يَجزْ أنْ يَغرمَ في حالٍ ثانٍ إلا بحُجةٍ مِنْ كِتابٍ أو سُنةٍ أو إِجماعٍ، قالُوا: وهذا أَصلٌ في كلِّ ما يوجدُ مِنْ الطَّعامِ الذي لا يَبقى ويُسرعُ إليه الفَسادُ، فلمَن وجَدَه أكلُه إذا لَم يُمكنْه تَعريفُه ولا يَضمنُه؛ لأنَّه في مَعنى الشَّاةِ، والشَّاةُ في حُكمِ المُباحِ الذي لا قِيمةَ له، ألا تَرى أنَّ النَّبيَّ وجَدَ تَمرةً فقالَ: «لولا أنِّي أَخشى أنْ تَكونَ مِنْ


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٢٣٠، ٢٣١).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ٢٦٠، ٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>