وأمَّا عدمُ وُجوبِ الإِشهادِ فلأنَّ النَّبيَّ ﷺ لَم يَذكرْه في حَديثِ زَيدِ بنِ خالِدٍ وأُبيِّ بنِ كعبٍ ﵄، فعن زَيدِ بنِ خالِدٍ الجُهنِيِّ ﵁ قالَ: جاءَ رجلٌ إلى رَسولِ اللهِ ﷺ فسأَلَه عن اللُّقطةِ فقالَ: «اعرِفْ عِفاصَها ووِكاءَها ثُم عرِّفْها سَنَةً، فَإنْ جاءَ صاحِبُها وإلا فَشأنَك بها»، قالَ: فضالَّةُ الغَنمِ؟ قالَ: «هي لك أو لأخِيك أو للذِّئبِ»، قالَ: فضالَّةُ الإِبلِ؟ قالَ: «ما لك ولها، معَها سِقاؤُها وحِذاؤُها تَرِدُ الماءَ وتَأكلُ الشَّجرَ حتى يَلقاها ربُّها» (١). وحَديثُ كَعبٍ السَّابقُ في أَولِ البَابِ فإنَّ النَّبيَّ ﷺ أمَرَهما بالتَّعريفِ دونَ الإِشهادِ، ولا يَجوزُ تَأخيرُ البَيانِ عن وَقتِ الحاجَةِ، فلو كانَ واجِبًا لبيَّنَه النبِيُّ ﷺ، وقد سُئلَ عن حُكمِ اللُّقطةِ فلَم يَكنْ ليُخِلَّ بذِكرِ الواجِبِ فيها، فيَتعيَّنُ حَملُ الأَمرِ في حَديثِ عِياضِ على النَّدبِ والاستِحبابِ، ولهذا خُيِّرَ بينَ العَدلِ والعَدلينِ، ولأنَّه أخَذَ أَمانةً فلَم يَفتقرْ إلى الإِشهادِ كالوَديعةِ؛ لأنَّ الظاهِرَ أنَّه أخَذَها لا لنفسِه؛ لأنَّ الشَّرعَ إنَّما مكَّنَه من الأَخذِ بهذه الجِهةِ، فكانَ إِقدامُه على الأَخذِ دَليلًا على أنَّه أخَذَ بالوَجهِ المَشروعِ فكانَ الظاهِرُ شاهِدًا له، فكانَ القَولُ قولَه ولكنْ معَ الحَلفِ؛ لأنَّ القولَ قولُ الأَمينِ معَ اليَمينِ.
والمَعنى الذي ذكَرُوه غيرُ صَحيحٍ، فإنَّه إذا حفِظَها وعرِفَها فلَم يَأخذْها لنفسِه، وفائِدةُ الإِشهادِ صِيانةُ نفسِه عن الطَّمعِ فيها وكَتمِها وحِفظهِا مِنْ وَرَثتِه إنْ ماتَ ومِن غُرمائِه إنْ أفلَسَ.
(١) أخرجه البخاري (٢٢٩٧)، ومسلم» (١٧٢٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute