للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لصاحِبِها، وقد أسقَطَه حينَ أذِنَ له بإِتلافِها، فصارَ كما لو استَنابَه في مُباحٍ، فلا يَغرمُ الوَديعُ له شَيئًا.

ولأنَّ التَّحريمَ أَثرُه في بَقاءِ حقِّ اللهِ تَعالى وهو التَّأثيمُ، أما حقُّ الآدميِّ فلا يَبقى معَ إِذنِه في تَفويتِه (١).

وذهَبَ المالِكيةُ في المَذهبِ وابنُ المُنذرِ مِنْ الشافِعيةِ إلى أنَّه لا يَجوزُ للمُودَعِ إِتلافُ الوَديعةِ ولو أذِنَ له ربُّها في إِتلافِها، فإنْ أتلَفَها ضمِنَها لوُجوبِ حِفظِ المالِ، كمَن قالَ لرَجلٍ: اقتُلني أو وَلدي ففعَلَ، ولأنَّ مُقتضى عَقدِ الوَديعةِ وُجوبُ حِفظِها على الوَديعِ، فصارَ الإِذنُ له في إِتلافِها كشَرطٍ مُناقضٍ لمُقتضى عَقدِها فيُلغى (٢).

قالَ ابنُ المُنذرِ : ولأنَّه مَمنوعٌ مِنْ إِتلافِ المالِ في غيرِ حالِ الضَّرورةِ؛ لأنَّ ذلك مُحرَّمٌ، وفاعِلُه عاصٍ، يَجبُ أنْ يُحجرَ عليه؛ لنَهي النَّبيِّ عن إِضاعةِ المالِ، فإذا أمَرَه بما ليسَ له، فأَمرُه وسُكوتُه سيَّان.

ولو كانَ هذا لا شَيءَ عليه، لكانَ المُسلِمُ إذا قالَ لأَخيه المُسلمِ: «اضرِبْ عُنقي» فقطَعَه ألَّا شَيءَ عليه؛ لأنَّه فعَلَ ما أُمرَ به، وقد أجمَعَ أَهلُ


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٢٣٦)، و «البناية شرح الهداية» للعيني (٩/ ٣٣٧)، و «شرح الزرقاني على خليل» (٦/ ٢٠٤)، و «الإشراف» (٦/ ٣٤٤، ٣٤٥)، و «الحاوي الكبير» (٦/ ٧٩)، و «المهذب» (١/ ٣٦٠)، و «روضة الطالبين» (٤/ ٥٩٠)، و «المغني» (٦/ ٣٠٩)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٤٦).
(٢) «شرح الزرقاني على خليل» (٦/ ٢٠٤)، و «حاشية الدسوقي على الشرح الكبير» (٥/ ١٢١)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٨/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>