وقالَ الشافِعيةُ: إذا كانَت في يدِه وَديعةٌ وادَّعاها اثنانِ فقالَ المُودَعُ: هي لأَحدِكما وقد نسِيت عَينَه، فإنْ ضمَّنَا المُودَعَ بالنِّسيانِ فهو ضامِنٌ، وإلا نُظرَ:
إنْ صدَّقاه فلا خُصومةَ لهما معَه، وإنما الخُصومةُ بينَهما، فإنِ اصطلَحَا على شَيءٍ فذاك، وإلا فيَجعلُ المالَ كأنَّه في أيدِيهما يَتداعيانِه، هذا هو الصَّحيحُ.
وقيلَ: هو كمالٌ في يدِ ثالثٍ يَتداعيانِه؛ لأنَّه لمْ يَثبتْ لأَحدِهما يدٌ.
فعلى الأَولِ لو أقامَ كلُّ واحدٍ منهما بَينةً أو حلَفا أو نكَلا فهو بينَهما، وإنْ أقامَ أَحدُهما بَينةً أو حلَفَ ونكَلَ صاحِبُه قُضيَ له.
قالَ النَّوويُّ ﵀: وعلى الثانِي لو أقامَ كلٌّ بَينةً فعلى الخِلافِ في تَعارضِ البيِّنتينِ، وإنْ نكَلا أو حلَفا وقفَ المالُ بينهما.
وسَواءٌ قلْنا بالأَولِ أم بالثانِي، هل يُتركُ المالُ في يدِ المُدَّعى عليه إلى أنْ تَنفصلَ خُصومتُهما أم يُنزعُ منه؟ فيه قَولانِ، أَظهرُهما الثاني، وبه قطَعَ البَغويُّ وغيرُه، قالَ المُتولِّي: والقَولانِ فيما إذا طلَبَ أَحدُهما الانتِزاعَ والآخرُ التَّركَ، أما إذا اتَّفقا على أَحدِ الأَمرينِ فيَتبعُ الحاكِمُ رَأيَهما.
أما إذا كذَّباه في دَعوى النِّسيانِ وادَّعيا عِلمَه فهو المُصدَّقُ بيَمينِه، ويَكفيه يَمينٌ واحدةٌ على نَفي العِلمِ؛ لأنَّ المُدَّعى شَيءٌ واحدٌ وهو عِلمُه، وهل للحاكِمِ تَحليفُه على نَفيِ العِلمِ إذا لمْ يَدَّعِه الخَصمانِ؟ وَجهانِ، ثُم إذا حلَفَ فالحُكمُ كما إذا صدَّقاه في النِّسيانِ، وقيلَ يُنتزعُ المالُ مِنْ يدِه هنا وإنْ لمْ يُنتزعْ هناك؛ لأنَّه خائنٌ عندَهما بدَعوى النِّسيانِ، وإنْ نكَلَ رُدَّت اليَمينُ