للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابِلةُ على الصَّحيحِ عندَهم إلى أنَّه يَجوزُ له أنْ يُسافرَ بالوَديعةِ إذا لمْ يَكنْ لها حَملٌ ومُؤنةٌ؛ لأنَّ الذي عليه في الوَديعةِ حِفظَها، فإذا حفِظَها في أيِّ مَكانٍ كانَ مَنْ حَضرٍ أو سَفرٍ كانَ مُؤدِّيًا لحقِّ الأَمانةِ فيها، ولهذا يَملكُه الأبُ والوَصيُّ في مالِ الصَّبيِّ، ولأنَّه لمَّا جازَ أنْ يَحفظَها في أيِّ مَوضعٍ شاءَ مِنْ البَلدِ إذا كانَ مَأمونًا كانَ له ذلك في غيرِ البَلدِ إذا كانَ مَأمونًا، ولأنَّه نَقلَها إلى مَوضعٍ مَأمونٍ فلمْ يَضمنْها كما لو نقَلَها في البَلدِ.

ولأنَّ الإِنسانَ لا يَلتزمُ الوَديعةَ ليَتركَ أَشغالَه، والسَّفرُ مِنْ أَشغالِه، فلا تَمنعُه الوَديعةُ مِنْ ذلك.

وهذا فيما لا حَملَ له ولا مُؤنةَ، وأما إذا كانَت الوَديعةُ تَحتاجُ إلى حَملٍ ومُؤنةٍ فاختلَفُوا فيها، فأَبو حَنيفةَ والحَنابِلةُ لا يُفرِّقونَ بينَ ما له حَملٌ ومُؤنةٌ وبينَ ما لا حَملَ له ولا مُؤنةَ.

وقالَ أَبو يُوسفَ: إنْ كانَت لها حَملٌ ومُؤنةٌ جازَ له السَّفرُ بها إذا كانَ السَّفرُ قَصيرًا، وإنْ كانَ طَويلًا لا يَجوزُ.

وقالَ مُحمدٌ: ليسَ له السَّفرُ بها فيما له حَملٌ ومُؤنةٌ؛ إذ الظاهِرُ مِنْ حالِ صاحِبِها أنَّه لا يَرضى بها، وصارَ كالوَكيلِ بالبَيعِ ليسَ له السَّفرُ بالمَبيعِ، وإنْ سافَرَ ضمِنَ.

والذي له حَملٌ ومُؤنةٌ هو ما كانَ يَحتاجُ في حَملِه إلى ظَهرٍ، أو أُجرةِ حَمالٍ (١).


(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢٠٩)، و «الهداية» (٣/ ٢١٧)، و «البحر الرائق» (٧/ ٢٧٨)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٥٨، ١٥٩)، و «الاختيار» (٣/ ٣١)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ١٣٢)، و «اللباب» (١/ ٦٤٦، ٦٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>