وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّ المُودَعَ إذا أنفَقَ بعضَ الوَديعةِ ثُم ردَّ مِثلَ ما أنفَقَه فإنْ ردَّه وخلَطَها بالباقِي ولمْ يَتميزْ عنها ثُم تلِفَت ضمِنَ الجَميعَ؛ لأنَّه جُعلَ مُتلِفًا لها بإِنفاقِ بعضِها وخَلطِ مالِها بمالِه؛ لأنَّ المِثلَ الذي دفَعَه هو مالُه، والخَلطُ بمَعنى الاستهلاكِ.
وإنْ ردَّها وتَميزَت عن باقي الدَّراهمِ فلا ضَمانَ عليه فلا ضَمانَ إلا فيما أخَذَه، على التَّفصيلِ التَّالي:
قالَ الحَنفيةُ: إنْ أنفَقَ المُودَعُ بعضَ الوَديعةِ ثُم ردَّ مِثلَ ما أنفَقَه فخلَطَ المَردودَ بالباقِي ثُم هلَكَت ضمِنَ جَميعَ الوَديعةِ؛ لأنَّه جُعلَ مُتلِفًا لها بإِنفاقِ بعضِها، وخَلطِ باقيها بمالِه؛ لأنَّ المِثلَ الذي دفَعَه هو مالُه، والخَلطُ بمَعنى الاستهلاكِ. (١)
وقالَ الشافِعيةُ: إذا أخَذَ دَراهمَ مِنْ الوَديعةِ وردَّ بَدلَه إليها فإنْ لمْ يَتميزْ عنها ضمِنَ الجَميعَ لخَلطِه الوَديعةَ بمالِ نفسِه، وإنِ تميَّزَ عنها فالباقي غيرُ مَضمونٍ عليه، وإنْ تميَّزَ عن بعضِها لمُخالفتِه له بصِفةٍ كسَوادٍ وبَياضٍ وسِكةٍ ضمِنَ ما لا يَتميزُ خاصَّةً، فلو ردَّه بعَينِه إليها لمْ يَضمنْ سِواه مِنْ بَقيةِ الدَّراهمِ وإنْ تلِفَت كلُّها أو لمْ يَتميزْ هو عنها لاختِلاطِه بها؛ لأنَّ هذا الخَلطَ كانَ حاصلًا قبلَ الأَخذِ، وإنْ تلِفَ نِصفُها ضمِنَ نِصفَه -أي نِصفَ الدَّراهمِ
(١) «الهداية» (٣/ ٢١٦)، و «العناية» (١٢/ ٢٦٠)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٥٦)، و «اللباب» (١/ ٦٤٦)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٤٧٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute