للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ إلى أنَّ المُودَعَ إذا أخَذَ بعَضَ الوَديعةِ ليُنفقَها ثُم ردَّها مرَّةً ثانيةً إلى مَوضعِها فلا ضَمانَ عليه.

قالَ الحَنفيةُ: لو أخَذَ بعضَ دَراهمِ الوَديعةِ ليُنفقَها فلمْ يُنفقْها ثُم ردَّها إلى مَوضعِها بعدَ أَيامِ فضاعَت لا ضَمانَ عليه؛ لأنَّ الأَخذَ نفسَه ليسَ بإِتلافٍ، ونِيةُ الإِتلافِ ليسَت بإِتلافٍ فلا تُوجبُ الضَّمانَ، والأَصلُ فيه ما رُويَ عن رَسولِ اللهِ أنَّه قالَ: «إنَّ اللهَ عزَّ شأْنُه عَفا عن أُمَّتي ما حدَّثَت به أنفُسَها ما لمْ يَتكلَّموا أو يَفعَلوا» (١)، ظاهِرُ الحَديثِ يَقتضِي أنْ يَكونَ ما حدَّثَت به النَّفسُ عَفوًا على العُمومِ إلا ما خصَّ بدَليلٍ.

قالَ الكاسانِيُّ: وعلى هذا إذا أودَعَه كيسًا مَسدودًا فحَلَّه المُستودَعُ أو صُندوقًا مُقفَلًا ففتَحَ القُفلَ ولمْ يَأخذْ منه شَيئًا حتى ضاعَ أو ماتَ المُودَعُ فإن كانَت الوَديعةُ قائمَةً بعَينِها تُردَّ على صاحِبِها؛ لأنَّ هذا عَينُ مالِه، ومَن وجَدَ عَينَ مالِه فهو أَحقُّ به على لسانِ رَسولِ اللهِ ، وإنْ كانَت لا تُعرفُ بعَينِها فهي دَينٌ في تَركتِه يُحاصُّ الغُرماءُ؛ لأنَّه لمَّا ماتَ مُجهِلًا للوَديعةِ فقد أتلَفَها مَعنى؛ لخُروجِها مِنْ أنْ تَكونَ مُنتفعًا بها في حَقِّ المالِكِ بالتَّجهيلِ وهو تَفسيرُ الإِتلافِ (٢).


(١) أخرجه البخاري (٦٢٨٧).
(٢) «بدائع الصنائع» (٦/ ٢١٣)، ويُنْظَر: «الهداية» (٣/ ٢١٦)، و «العناية» (١٢/ ٢٦٠)، و «الجوهرة النيرة» (٤/ ١٥٦)، و «اللباب» (١/ ٦٤٦)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٤٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>