التَّعدِّي وجَبَ عليه أُجرةُ مِثلِ تلك المُدةِ وإنْ لمْ يَلبسْ ويُنفقْ؛ لأنَّ العَقدَ لمَّا اقتَرنَ بنِيةِ التَّعدي صارَ كقَبضِ الغاصِبِ.
أما إذا أخَذَها ظانًّا أنَّها مِلكَه فإنَّه لا يَضمنُها إلا إنْ انتَفعَ بها.
ولو أخَذَ بعضَ الدَّراهمِ كدِرهمٍ ضمِنَه فقط ما لمْ يَفضَّ خَتمًا أو يَكسرْ قُفلًا فإنْ ردَّه لمْ يَزُلْ ضَمانُه، حتى لو تلِفَ الكلُّ ضمِنَ دِرهمًا أو ما أخَذَه، ولا يَضمنُ الباقي.
ولو نَوى بعدَ قَبضِ الوَديعةِ الأَخذَ للوَديعةِ خِيانَةً أو نَوى تَعييبَها ولمْ يَأخذْ ولمْ يُعيِّبْ لمْ يَضمنْ على الصَّحيحِ المَنصوصِ؛ لأنَّه لمْ يُحدِثْ فِعلًا ولا وضْعَ يدٍ تَعديًا، لكنَّه يَأثمُ.
والثانِي: يَضمنُ كما لو نَواه ابتداءً (١).
وقالَ الحَنابِلةُ: إنْ تَعدَّى الوَديعُ في الوَديعةِ بانتِفاعِه بها بأنْ ركِبَ الوَديعُ الدَّابةَ المُودَعةَ لغيرِ نَفعِها -أي علَفَها وسقْيَها-، أو لبِسَ الثَّوبَ المُودَعَ لا لخَوفِ عثٍّ ونحوِه، أو أخرَجَها لا لإِصلاحِها كأنْ أخرَجَها لإِنفاقِها، أو أخرَجَها ليَخونَ فيها، أو أخرَجَها شَهوةً إلى رُؤيتِها ثُم ردَّها إلى حِرزِها بنيَّةِ الأَمانةِ بطَلَت وضمِنَ؛ لتَصرُّفِه في مالِ غيرِه بغيرِ إذنِه، ووجَبَ عليه ردُّها فَورًا؛ لأنَّها أَمانةٌ مَحضةٌ وقد زالَت بالتَّعدِّي، ولا تَعودُ أَمانةً بغيرِ عَقدٍ جَديدٍ، كأنْ ردَّها إلى صاحبِها، ثُم ردَّها صاحبُها إليه؛ لأنَّ هذا وَديعةٌ ثانِيةٌ.
(١) «النجم الوهاج» (٦/ ٣٦٧، ٣٦٨)، و «كنز الراغبين» (٣/ ٤٥٦، ٤٥٧)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٤٦، ١٤٧)، و «تحفة المحتاج» (٨/ ٣٤٥، ٣٤٦)، و «نهاية المحتاج» (٦/ ١٤٨، ١٤٩)، و «الديباج» (٣/ ١١٩).