للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ المالِكيةُ: المُودَعُ أَمينٌ ومُصدَّقٌ فيما يَدَّعيه مِنْ تَلفِ الوَديعةِ، والقَولُ قَولُه أَبدًا وإنْ لمْ يَأتِ بما يَستدلُّ عليه؛ لأنَّه مَأمونٌ على حِفظِها على كلِّ حالٍ، فيُصدَّقُ في الضَّياعِ والتَّلفِ الذي ائتمَنَه عليه، إلا أنْ يُتهمَ فيَحلفُ، فإنْ نكَلَ ضمِنَ ولا تُردُّ اليَمينُ (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه إذا ادَّعى التَّلفَ بأَمرٍ ظاهِرٍ كحَريقٍ ونَهبٍ فلا يُقبلُ قَولُه إلا بِبينةٍ على تَفصيلٍ عندَهم.

قالَ الشافِعيةُ: لو ادَّعى الوَديعُ تَلفَ الوَديعةِ ولمْ يَذكرْ له سببًا أو ذكَرَ له سببًا خَفيًّا كسَرقةٍ صُدِّقَ في ذلك بيَمينِه بالإِجماعِ، ولا يَلزمُه بَيانُ السَّببِ في الأُولى، نَعم يَلزمُه أنْ يَحلفَ له أنَّها تلِفَت بغَيرِ تَفريطٍ منه، ولو نكَلَ عن اليَمينِ على السَّببِ الخَفيِّ حلفَ المالِكُ أنَّه لا يَعلمُه وغرَّمَه البَدلَ، ولا يُكلفُ الحلفَ أنَّها لمْ تَتلفْ.

وإنْ ذكَرَ سببًا ظاهرًا كحَريقٍ ونَهبٍ ومَوتٍ فإنْ عُرفَ الحَريقُ وعَمومُه بالبَينةِ أو الاستِفاضةِ ولمْ يَحتملْ سَلامةَ الوَديعةِ صُدِّقَ بلا يَمينٍ؛ لأنَّ ظاهرَ الحالِ يُغنيه عن اليَمينِ، ولاحتِمالِ ما يدَّعيه، أما إذا احتملَ سَلامتَها بأنْ عمَّ ظاهرًا لا يَقينًا فيَحلفُ لاحتِمالِ سَلامتِها.

فإنْ عُرفَ الحرَيقُ دونَ عُمومِه صُدِّقَ بيَمينِه لاحتِمالِ ما ادَّعاه.


(١) «الكافي» (٤٠٤)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٢٧٥)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ١٣٧)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>