كالذي ذهَبَ مع مالِه؛ ولأنَّ المُستودَعَ إنما يَحفظُها لِصاحبِها مُتبرعًا مِنْ غيرِ نفعٍ يَرجعُ عليه، فلو لزِمَه الضَّمانُ لَامتنعَ الناسُ مِنْ قَبولِ الوَدائعِ، وذلك مُضرٌّ لمَا بيَّنَّاه مِنْ الحاجةِ إليها، وما رُويَ عن عُمرَ مَحمولٌ على التَّفريطِ مِنْ أَنسٍ في حِفظِها، فلا يُنافي ما ذَكرناه، فأما إنْ تَعدَّى المُستودَعَ فيها أو فرَّطَ في حِفظِها فتلِفَت؛ ضمِنَ بغَيرِ خِلافٍ نعلَمُه؛ لأنَّه مُتلِفٌ لِمالِ غَيرٍ فضمِنَه، كما لو أَتلفَه مِنْ غَيرِ استِيداعٍ (١).
وقالَ الإِمامُ المِرداوِيُّ في «الإِنصاف»: وإنْ تلِفَت -أي الوَديعةُ- مِنْ بينِ مالِه لمْ يَضمَنْ في أَصحِّ الرِّوايتينِ، يَعني إذا لمْ يَتعدَّ، وهو المَذهبُ وعليه أَكثرُ الأَصحابِ.
قالَ الحارِثيُّ: هذا اختيارُ أَكثرِ الأَصحابِ، وصرَّحَ المُصنِّفُ في آخَرينَ أنَّه أَصحُّ.
قالَ القاضِي: هذا أَصحُّ.
قالَ الزَّركشِيُّ: هذا المَذهبُ، قالَ في «الكافي»: هذا أَظهرُ الرِّوايتينِ، وجزَمَ به في «الوَجيز» وغَيرِه، وقدَّمَه في «المُغني» و «الشَّرح» و «شَرح ابنِ مُنجَّا» والحارثِيُّ وغيرُهم.
والرِّوايةُ الثَّانيةُ: يَضمنُ، نصَّ عليها واختارَها شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ.
قالَ الزَّركشيُّ: يَنبَغي أنْ يَكونَ مَحلُّ الرِّوايةِ إذا ادَّعى التَّلفَ، أما إنْ ثبَتَ التَّلفُ فإنَّه يَنبغي انتفاءُ الضَّمانِ رِوايةً واحدَةً.
(١) «المغني» (٦/ ٣٠٠، ٣٠١)، و «كشاف القناع» (٤/ ٢٠٤).